الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          825 حدثنا أحمد بن منيع حدثنا إسمعيل بن إبراهيم عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن تلبية النبي صلى الله عليه وسلم كانت لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك قال وفي الباب عن ابن مسعود وجابر وعائشة وابن عباس وأبي هريرة قال أبو عيسى حديث ابن عمر حديث حسن صحيح والعمل عليه عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم وهو قول سفيان والشافعي وأحمد وإسحق قال الشافعي وإن زاد في التلبية شيئا من تعظيم الله فلا بأس إن شاء الله وأحب إلي أن يقتصر على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الشافعي وإنما قلنا لا بأس بزيادة تعظيم الله فيها لما جاء عن ابن عمر وهو حفظ التلبية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم زاد ابن عمر في تلبيته من قبله لبيك والرغباء إليك والعمل

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( لبيك ) هي مصدر لبى أي قال : لبيك ولا يكون عامله إلا مضمرا ، أي ألببت يا رب بخدمتك إلبابا بعد إلباب ، من ألب بالمكان أقام به ، أي أقمت على طاعتك إقامة بعد إقامة . وقيل أجبت دعوتك إجابة بعد إجابة ، والمراد بالتثنية التكثير كقوله تعالى : فارجع البصر كرتين أي كرة بعد كرة وحذف الزوائد للتخفيف ، وحذف النون للإضافة ، قاله القاري .

                                                                                                          وقال الحافظ في الفتح وعن الفراء هو منصوب على المصدر وأصله " لبا لك " فثنى على التأكيد ، أي إلبابا بعد إلباب ، وهذه التثنية ليست حقيقية ، بل هي للتكثير أو المبالغة ، ومعناه إجابة بعد إجابة أو إجابة لازمة ، وقيل معنى لبيك : اتجاهي وقصدي إليك ، مأخوذ من قولهم : داري تلب دارك ، أي تواجهها . وقيل معناه : أنا مقيم على طاعتك من قولهم : لب الرجل بالمكان إذا أقام ، وقيل : قربا منك ، من الإلباب وهو القرب . والأول أظهر وأشهر ؛ لأن المحرم مستجيب لدعاء الله إياه في حج بيته ، ولهذا من دعا فقال : لبيك فقد استجاب .

                                                                                                          وقال ابن عبد البر : قال جماعة من أهل العلم معنى التلبية إجابة دعوة إبراهيم حين أذن في الناس بالحج ، انتهى . وهذا أخرجه عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم بأسانيدهم في تفاسيرهم عن ابن عباس ومجاهد وعطاء وعكرمة وقتادة وغير واحد والأسانيد إليهم قوية ، وأقوى ما فيه عن ابن عباس ، ما أخرجه أحمد بن منيع في مسنده وابن أبي حاتم من طريق قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عنه قال : لما فرغ إبراهيم -عليه السلام- من بناء البيت قيل له أذن في الناس بالحج ، قال : رب وما يبلغ صوتي ، قال : أذن وعلي البلاغ ، قال فنادى إبراهيم : يا أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق ، فسمعه من بين السماء والأرض ، أفلا ترون أن الناس يجيئون من أقصى الأرض يلبون . ومن طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وفيه : فأجابوه بالتلبية في أصلاب الرجال وأرحام النساء وأول من أجابه أهل اليمن ، فليس حاج يحج من يومئذ إلى أن تقوم الساعة إلا من كان أجاب إبراهيم يومئذ ، انتهى كلام الحافظ مختصرا .

                                                                                                          ( إن [ ص: 474 ] الحمد ) روي بكسر الهمزة على الاستئناف وبفتحها على التعليل ، والكسر أجود عند الجمهور . وقال ثعلب : لأن من كسر جعل معناه إن الحمد لله على كل حال ، ومن فتح قال : معناه لبيك بهذا السبب . ( والملك ) بالنصب عطف على الحمد ، ولذا يستحب الوقف عند قوله الملك ويبتدأ بقوله ( لا شريك لك ) أي في استحقاق الحمد وإيصال النعمة ولا مانع من أن يكون الملك مرفوعا وخبره لا شريك لك ، أي فيه ، كذا في المرقاة ، وقال الحافظ في الفتح : والملك بالنصب على المشهور ويجوز الرفع وتقديره والملك كذلك .




                                                                                                          الخدمات العلمية