الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2184 [ ص: 560 ] باب تقليد الهدي ، وإشعاره ، عند الإحرام

                                                                                                                              وقال النووي: (باب إشعار الهدي وتقليده ، عند الإحرام) . والمعنى واحد.

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ص 227 - 228 ج 8 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بذي الحليفة، ثم دعا بناقته فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن، وسلت الدم وقلدها نعلين، ثم ركب راحلته فلما استوت به على البيداء، أهل بالحج .]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بذي الحليفة ، ثم دعا بناقته فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن ، وسلت الدم) .

                                                                                                                              (الإشعار) : هو أن يكشط جلد البدنة ، حتى يسيل دم ، ثم يسلته ، فيكون ذلك علامة على كونها هديا. ويكون ذلك في صفحة سنامها الأيمن.

                                                                                                                              وعبارة النووي: (الإشعار) : هو أن يجرحها في صفحة سنامها اليمنى: [ ص: 561 ] بحربة ، أو سكين ، أو حديدة ، أو نحوها ، ثم يسلت الدم عنها.

                                                                                                                              قال: وأصل الإشعار ، والشعور: الإعلام والعلامة.

                                                                                                                              قال: وهو مستحب ، ليعلم أنه هدي ، فإن ضل رده واجده ، وإن اختلط بغيره تميز.

                                                                                                                              ولأن فيه: إظهار شعار.

                                                                                                                              وفيه: تنبيه غير صاحبه ، على فعل مثل فعله.

                                                                                                                              (وصفحة السنام) : جانبه. والصفحة مؤنثة. فقوله: (الأيمن) بلفظ التذكير ، يتأول على أنه: وصف لمعنى (الصفحة) ، لا للفظها.

                                                                                                                              ويكون المراد بالصفحة: (الجانب) . فكأنه قال: جانب سنامها الأيمن. انتهى.

                                                                                                                              وقد ذهب إلى استحبابه ، ومشروعيته: الجمهور " من السلف والخلف".

                                                                                                                              وروى الطحاوي عن أبي حنيفة: كراهته. والأحاديث ترد عليه.

                                                                                                                              وفي النووي قال أبو حنيفة: (الإشعار) : بدعة ، لأنه مثلة. وهذا يخالف الأحاديث الصحيحة المشهورة في الإشعار. انتهى.

                                                                                                                              قلت: وقد خالف الناس في ذلك ، حتى خالفه صاحباه: أبو يوسف ومحمد. واحتج على الكراهة بأنه: من المثلة.

                                                                                                                              [ ص: 562 ] وأجاب النووي ، والخطابي: يمنع كونه منها. بل هو من باب آخر ; كالكي ، وشق أذن الحيوان. فيصير علامة ، وغير ذلك: من الوسم والفصد ، وكالختان ، والحجامة. انتهى.

                                                                                                                              على أنه: لو كان من المثلة ، لكان ما فيه من الأحاديث ، مخصصا له من عموم النهي عنها.

                                                                                                                              وقد روى الترمذي عن النخعي: أنه قال بكراهة الإشعار. وبهذا يتعقب على الخطابي ، وابن حزم: بأنه لم يقل بالكراهة أحد ، غير أبي حنيفة رحمه الله تعالى.

                                                                                                                              قال النووي: وأما محل الإشعار ، فمذهبنا ، ومذهب جماهير العلماء ، من السلف والخلف: أنه يستحب الإشعار في صفحة السنام اليمنى.

                                                                                                                              وقال مالك: في اليسرى. وهذا الحديث يرد عليه.

                                                                                                                              (وقلدها نعلين) .

                                                                                                                              فيه: دليل على مشروعية تقليد الهدي. وبه قال الجمهور.

                                                                                                                              وقال ابن المنذر: أنكر مالك ، وأصحاب الرأي: التقليد للغنم. وزاد غيره: وكأنهم لم يبلغهم الحديث. انتهى.

                                                                                                                              قال النووي: تقليد الغنم ، مذهبنا ومذهب العلماء كافة: من السلف والخلف ، إلا مالكا.

                                                                                                                              قال عياض: ولعله لم يبلغه الحديث ، الثابت في ذلك.

                                                                                                                              [ ص: 563 ] قلت: قد جاءت أحاديث كثيرة صحيحة ، بالتقليد. فهي حجة صريحة ، في الرد على من خالفها. انتهى.

                                                                                                                              واحتجوا على عدم مشروعيته: بأنها تضعف عن التقليد. وهي حجة أوهى من بيوت العنكبوت ; فإن مجرد تعليق القلادة ، مما لا يضعف به الهدي.

                                                                                                                              وأيضا: إن فرض ضعفها عن بعض القلائد ، قلدت بما لا يضعفها.

                                                                                                                              وأيضا: قد وردت السنة بالإشعار ، وهو لا يترك لكونه مظنة للضعف ; فكيف يترك ما ليس مظنة لذلك ، مع ورود السنة به.

                                                                                                                              قال النووي: البقرة يستحب عند الشافعي وموافقيه: الجمع فيها بين الإشعار والتقليد ، كالإبل.

                                                                                                                              قال: واتفقوا على أن الغنم لا تشعر ، لضعفها عن الجرح ، ولأنه يستتر بالصوف. انتهى.

                                                                                                                              قيل: الحكمة في تقليد الهدي النعل: أن فيه إشارة إلى السفر والجد فيه.

                                                                                                                              وقال ابن المنير: الحكمة فيه: أن العرب تعد النعل مركوبا ، لكونها تقي صاحبها ، وتحمل عنه وعر الطريق. فكأن الذي أهدى خرج عن مركوبه لله تعالى " حيوانا وغيره" ، كما خرج " حين أحرم " عن ملبوسه ، ومن ثم استحب تقليد نعلين لا واحدة.

                                                                                                                              وقد اشترط الثوري ذلك.

                                                                                                                              وقال غيره: تجزئ الواحدة.

                                                                                                                              [ ص: 564 ] وقال آخرون: لا تتعين النعل ، بل كل ما قام مقامها أجزأ.

                                                                                                                              وعلى الجملة: فقد ثبت التقليد في الشرع للحيوان ، ولم نسمع به قط للإنسان ، فيكون ذاك سنة ، وهذا بدعة.

                                                                                                                              (ثم ركب راحلته) ، هي غير التي أشعرها.

                                                                                                                              وفيه: استحباب الركوب في الحج ، وأنه أفضل من المشي. وقد سبق بيانه مرات.

                                                                                                                              (فلما استوت به على البيداء: أهل بالحج.) .

                                                                                                                              فيه: استحباب الإحرام ، عند استواء الراحلة ، لا قبله ولا بعده ، وقد سبق بيانه واضحا.

                                                                                                                              وأما إحرامه صلى الله عليه وسلم بالحج ، فهو المختار. وقد سبق بيان الخلاف في ذلك واضحا. والله أعلم.




                                                                                                                              الخدمات العلمية