الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          والمساقاة عقد جائز في ظاهر كلامه لا تفتقر إلى ذكر مدة ، ولكل واحد منهما فسخها ، فمتى انفسخت بعد ظهور الثمرة فهي بينهما ، وإن فسخ العامل قبل ظهورها فلا شيء له ، وإن فسخ رب المال فعليه للعامل أجرة عمله ، وقيل : هي عقد لازم يفتقر إلى ضرب مدة يكمل فيها الثمر ، وإن جعلا مدة لا يكمل فيها لم تصح ، وهل للعامل أجرة ؛ على وجهين ، وإن جعلا مدة قد تكمل فيها وقد لا تكمل فهل تصح ؛ على وجهين فإن قلنا : لا تصح ، فهل للعامل أجرة ؛ على وجهين ، وإن مات العامل تمم الوارث ، فإن أبى استؤجر على العمل من تركته ، فإن تعذر فلرب المال الفسخ ، فإن فسخ بعد ظهور الثمرة فهي بينهما ، وإن فسخ قبل ظهورها فهل له أجرة ؛ على وجهين ، وكذلك إن هرب العامل فلم يوجد له ما ينفق عليها فإن عمل فيها رب المال بإذن حاكم أو إشهاد رجع به ، وإلا فلا .

                                                                                                                          ‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( والمساقاة عقد جائز في ظاهر كلامه ) وكذا المزارعة ، أومأ إليه أحمد في رواية الأثرم ، وقد سئل عن الأكار يخرج من الضيعة من غير أن يخرجه صاحبها فلم يمنعه من ذلك ، ذكره ابن حامد ، وقاله بعض المحدثين لما روى مسلم عن ابن عمر في قضية خيبر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم 32 نقركم على ذلك ما شئنا 32 ولو كان لازما لم يجز بغير تقدير مدة ، ولا أن يجعل الخيرة إليه في مدة إقرارهم ، ولأنها عقد على جزء من نماء المال فكانت جائزة كالمضاربة ( لا تفتقر إلى ذكر مدة ) لأنه عليه السلام لم يضرب لأهل خيبر مدة ، ولا خلفاؤه من بعده ، وكما لا تفتقر إلى القبول لفظا ( ولكل واحد منهما فسخها ) لأنه شأن العقود الجائزة ( فمتى انفسخت بعد ظهور الثمرة فهي بينهما ) على ما شرطاه ; لأنها حدثت على ملكيهما ، ويلزم العامل تمام العمل كالمضارب ( وإن فسخ العامل قبل ظهورها فلا شيء له ) لأنه رضي إسقاط حقه فهو كعامل المضاربة والجعالة ( وإن فسخ رب المال ) أي قبل ظهور الثمرة ( فعليه للعامل أجرة [ ص: 50 ] عمله ) أي أجرة مثله ; لأنه منعه من إتمام عمله الذي يستحق به العوض كجعالة ، وفارق رب المال في المضاربة إذا فسخها قبل ظهور الربح ; لأن هذا يفضي إلى ظهور الثمرة غالبا ، فلولا الفسخ لظهرت الثمرة ، فملك نصيبه منها بخلاف المضاربة ، فإنه لا يعلم إفضاؤها إلى الربح ( وقيل : هي عقد لازم ) في قول أكثر الفقهاء ; لأنه عقد معاوضة ، فكان لازما كالإجارة ، إذ لو كانت جائزة لملك رب المال فسخها إذا ظهرت ، فيسقط سهم العامل فيتضرر ( يفتقر إلى ضرب مدة يكمل فيها الثمر ) لأنها أشبه بالإجارة لكونها تقتضي العمل مع بقائها ، ولا يتقدر أكثر المدة بل يجوز ما يتفقان عليه من المدة التي يبقى فيها الشجر ، وإن طالت ، وقيل : لا يجوز أكثر من ثلاثين سنة ، رد بأنه تحكم وتوقيت لا يصار إليه إلا بدليل ( وإن جعلا مدة لا يكمل فيها لم تصح ) لأن المقصود اشتراكهما في الثمرة ، ولا توجد في أقل منها ( وهل للعامل أجرة ؛ على وجهين ) أي إذا ظهرت الثمرة ولم تكمل ، فله أجرة مثله ; لأنه لم يرض إلا بعوض ، وهو جزء من الثمرة وهو موجود لكن لا يمكن تسليمه ، فاستحق أجرة المثل كالإجارة الفاسدة ، والثاني لا شيء له ; لأنه رضي بالعمل بغير عوض فهو كالمتبرع ، وكما لو لم تظهر الثمرة .

                                                                                                                          ( وإن جعلا مدة قد تكمل فيها وقد لا تكمل ) أو إلى الجداد ، أو إدراكها ( فهل تصح ) المساقاة ( على وجهين ) أصحهما تصح ; لأن الشجر يحتمل أن يحمل ، ويحتمل عدمه ، والمساقاة جائزة فيه ، والثاني لا تصح ; لأنه عقد على معدوم ليس الغالب وجوده فلم تصح كالسلم ، فعلى الأول له حصته من الثمرة ( فإن [ ص: 51 ] قلنا : لا تصح ، فهل للعامل أجرة ؛ على وجهين ) أظهرهما ، وذكره في " المغني " وجها واحدا : له أجر المثل ; لأنه لم يرض بغير عوض ، ولم يسلم إليه ، فاستحق أجر المثل سواء حملت أو لا ، والثاني لا شيء له ، كما لو شرطا مدة لا يكمل فيها الشجر غالبا ( وإن مات العامل ) أو جن ، أو حجر عليه لسفه انفسخت على المذهب كرب المال ، وإن قيل بلزومها ( تمم الوارث ) لأنها عقد لازم كالإجارة ( فإن أبى ) لم يجبر ; لأن الوارث لا يلزمه من الحقوق التي على مورثه إلا ما أمكن دفعه من تركته ، والعمل ليس كذلك ( استؤجر ) أي استأجر الحاكم ( على العمل من تركته ) لأن العمل كان عليه ، فوجب أن يتعلق بتركه كسائر ما عليه ( فإن تعذر ) أي الاستئجار بأن لا تركة له ( فلرب المال الفسخ ) لأنه تعذر استيفاء المعقود عليه ، فثبت له الفسخ كما لو تعذر ثمن المبيع قبل قبضه ( فإن فسخ بعد ظهور الثمرة فهي بينهما ) لأنها حدثت على ملكيهما ، وكالمضاربة إذا انفسخت بعد ظهور الربح ، فيباع من نصيب العامل ما يحتاج إليه لأجر ما بقي من العمل ، وإن احتيج إلى بيع الجميع بيع ثم إن كانت الثمرة قد بدا صلاحها خير المالك بين البيع والشراء ، فإن اشترى نصيب العامل جاز ، وإن اختار باع نصيبه ، والحاكم نصيب العامل ، وبقية العمل عليهما ، وإن أبى باع الحاكم نصيب عامل فقط ، وما يلزمه يستأجر عنه ، والباقي لورثته ، وإن لم يبد صلاحها خير المالك ، فإن بيع لأجنبي لم يبع إلا بشرط القطع ، ولا يباع نصيب عامل وحده ، وفي شراء المالك له ، واستحقاق الميت أجرة وجهان ، وكذا الحكم إذا انفسخت المساقاة بموت العامل إذا قلنا بجوازها ، وأبى الوارث العمل ، ذكره في " الشرح " وغيره .

                                                                                                                          [ ص: 52 ] ( وإن فسخ قبل ظهورها ، فهل له أجرة ؛ على وجهين ) أظهرهما له الأجرة ; لأن العقد يقتضي العوض المسمى ، فإذا تعذر رجع في الأجرة كما لو فسخ بغير عذر ، والثاني لا شيء له ; لأن الفسخ مستند إلى موته أشبه ما لو فسخ هو ( وكذلك إن هرب العامل فلم يوجد له ما ينفق عليها ) أي حكمه حكم ما إذا مات لأنهما اشتركا في تعذر العمل ، وتضرر المالك بتعذر الفسخ ، وظاهره أنه إذا وجد له مالا ، أو أمكنه الاقتراض عليه من بيت المال أو غيره فعل ذلك ، وكذا إذا وجد من يعمله بأجرة مؤجلة إلى وقت إدراك الثمرة ، والأولى أن العامل لا يستحق أجرة لتركه العمل باختياره ، كما لو تركه من غير هرب مع القدرة عليه ( فإن عمل فيها رب المال بإذن حاكم أو إشهاد رجع به ) أي بما أنفق ; لأن الحاكم نائب عن الغائب ، ولأنه إذا أشهد على الإنفاق مع عجزه عن إذن الحاكم فهو مضطر ، فإن أمكنه استئذان الحاكم ، فأنفق بنية الرجوع ولم يستأذنه ، فوجهان مبنيان على ما إذا قضى دينه بغير إذنه ( وإلا فلا ) أي لا رجوع له إذا لم يوجد إذن ولا إشهاد ; لأنه متبرع بالإنفاق كما لو تبرع بالصدقة ، وحكم ما لو استأجر أو اقترض بإذن الحاكم حكم ما لو عمل فيها بإذنه .

                                                                                                                          فرع : إذا بان الشجر مستحقا فله أجرة مثله على غاصبه ، واختار في " التبصرة " أنها جائزة من جهة عامل لازمة من جهة مالك ، مأخوذة من الإجارة ، وفيه شيء .




                                                                                                                          الخدمات العلمية