الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
قلت: وسبب هذه الحيرة والتوقف، أن كلا القولين اللذين حكاهما عن المتكلمين والذي حكاه عن السلف [ ص: 261 ] قول باطل، والقول الذي حكاه عن السلف ليس قولهم ولا قول أحد منهم، ولا يعرف عن أحد من الصحابة والتابعين، كما سيأتي الكلام عليه.

وأما هنا فإنما ذكر النزاع في جواز اشتمال القرآن على ما لا يمكن علمه، وقد بينا أن هذا يراد به اشتماله على لفظ لا يمكن أحدا معرفة معناه، بل يكون كاللفظ العجمي عند العرب، والصواب أن هذا لا يجوز، ولا يعرف عن أحد من السلف تجويز هذا، وإنما قال كثير منهم: إن الوقف على قوله تعالى: وما يعلم تأويله إلا الله [آل عمران: 7]. ولكن لم يريدوا هذا المعنى كما سنذكره إن شاء الله تعالى، ويراد به أنه لا يمكن بعض الناس فهمه، وهذا موجود، فما كل أحد يمكنه العلم بكل ما يمكن غيره العلم به، لا من معاني القرآن، ولا من الحديث، ولا من الفقه، ولا من العربية، ولا الطب، ولا الحساب، ولا سائر علوم بني آدم.

ويراد به: أن لبعضه تأويلا يؤول إليه، لا يعرف حقيقة ذلك التأويل إلا الله عز وجل، والصواب أنه كذلك، ولم ينازع أحد من السلف في مثل ذلك أيضا، كما سنبينه في لفظ التأويل، [ ص: 262 ] وإذا كان كذلك، فما ذكره من الوجوه تدل على المعنى الأول، وأنه لا بد لكل ما أنزل الله تعالى من معنى يمكن فهمه، ولكن أصحاب التأويلات الفاسدة والتفسيرات المحرفة، يدعون أن ذلك المعنى هو معنى الآية، وهم في ذلك مخطئون، وإذا كان كذلك، فالجواب عما ذكره من حجتين من حجج من جوز ذلك أن يقال: أما قوله تعالى: وما يعلم تأويله إلا الله [آل عمران: 7]. فهذه الآية فيها قراءتان وقولان مشهوران، ونحن نسلم قراءة من قرأ: وما يعلم تأويله إلا الله [آل عمران: 7]. لكن من أين لهم أن التأويل الذي لا يعلمه إلا الله هو المعنى الذي عنى به المتكلم؟ وهو مدلول اللفظ الذي قصد المخاطب إفهام المخاطب إياه، وهو -سبحانه وتعالى- لم يقل: وما يعلم معناه إلا الله، ولا قال: وما يعلم تفسيره إلا الله، ولا قال: وما يعلم مدلوله ومفهومه إلا الله، ولا ما دل عليه إلا الله، بل قال: وما يعلم تأويله إلا الله [آل عمران: 7]. ولفظ التأويل له في القرآن معنى، وفي عرف كثير من السلف وأهل [ ص: 262 ] التفسير معنى، وفي اصطلاح كثير من المتأخرين له معنى، وبسبب تعدد الاصطلاحات والأوضاع فيه حصل اشتراك غلط بسببه كثير من الناس في فهم القرآن وغيره، وهذه المعاني الثلاثة موجودة في كلام الناس، وقد يذكر بعضهم فيها معنيين، ومنهم من يذكر الثلاثة مفرقة، بل كثير من أهل التفسير يذكرون في أول تفسيرهم المعنيين، ثم يذكرون المعنى الثالث في موضع آخر، كما ذكره أبو الفرج بن الجوزي في تفسيره [ ص: 264 ] فقال:

التالي السابق


الخدمات العلمية