الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1458 - مسألة : ولا يحل بيع عبد أو أمة على أن يعطيهما البائع كسوة - قلت أو كثرت - ولا بيع دابة على أن يعطيها البائع إكافها ، أو رسنها ، أو بردعتها ، والبيع بهذا الشرط باطل مفسوخ لا يحل فمن قضي عليه بذلك قسرا فهو ظلم لحقه والبيع جائز . [ ص: 343 ]

                                                                                                                                                                                          برهان ذلك : أنه شرط ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل ، وقال تعالى : { لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم }

                                                                                                                                                                                          وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } .

                                                                                                                                                                                          فسمى الله تعالى أخذ المرء مال غيره من غير تراض بالتجارة : باطلا ، وحرمه ، إذ نهى عنه ، وعلى لسان رسوله عليه السلام أيضا .

                                                                                                                                                                                          والكسوة مال البائع ولم يبعها برضا منه ، فلا يحل أخذها منه أصلا - وهذا قول أبي حنيفة ، والشافعي ، وأبي سليمان ، وأصحابهم .

                                                                                                                                                                                          وقال مالك يجبر على كسوة مثلها للشتاء إن بيعت في الشتاء ، وعلى كسوة مثلها في الصيف إن بيعت في الصيف - كسوة تجوز الصلاة في مثلها - فكانت هذه شريعة لم يأت بها قرآن ، ولا سنة ، ولا رواية سقيمة ، ولا قياس ، ولا رأي سديد ، ولا قول أحد نعلمه قبله - نعني بهذا التقسيم - . وقد روي عن ابن عمر : كل حلي وكسوة على الأمة عرضت فيها للبيع فهي داخلة في البيع - وهم لا يقولون بهذا .

                                                                                                                                                                                          فإن قالوا : كسوتها من مالها ؟ قلنا : تناقضتم ههنا في موضعين : أحدهما - أنها إن كانت من مالها فقد أجزتم اشتراط بعض مالها ، وهذا حرام عندكم ، والثاني - أن نقول لكم : كيف هي من مالها وأنتم تجبرون البائع على إحضارها - أحب أم كره - من حيث شاء ؟

                                                                                                                                                                                          ثم هبكم أن الكسوة من مال الأمة ، أترون البرذعة والرسن من مال الحمار والبغل ؟ إذ قلتم : لا يباع إلا ومعه برذعة ورسن ؟ ثم من أين لم تقولوا بهذا في السرج ، واللجام ؟ وهذه أعاجيب وشنع لا ندري من أين خرجت ؟

                                                                                                                                                                                          وهلا أوجبتم عليه نفقة شهر أو شهرين تصحبها إياها كما أوجبتم عليه كسوة عام أو نصف عام ؟ وما [ ندري ] الفرق بين الكسوة والنفقة ، بل النفقة أوكد ; لأنها لا تعيش دونها .

                                                                                                                                                                                          فإن قالوا : مشتريها ينفق عليها ؟ [ ص: 344 ]

                                                                                                                                                                                          قلنا : ومشتريها يكسوها أيضا ، كما يلزمه أن يكسو زوجته ، ولا يلزم أباها ولا أخاها الذي يزوجها كسوتها مذ تتزوج .

                                                                                                                                                                                          فإن قالوا : أيبيعها عريانة ؟ قلنا : أيبيعها جائعة - ولا فرق ؟

                                                                                                                                                                                          وقال بعضهم : الكسوة ركن من أركانها ؟ فقلنا : هذا كذب وحمق معا ، وما علمنا للإنسان أركانا تكون الكسوة بعضها .

                                                                                                                                                                                          فإن ادعوا عمل أهل المدينة ؟ قلنا : كذب من قال هذا ، ومن الباطل المتيقن أن تكون هذه الشريعة عند أهل المدينة ثم يكتمها عمر ، وعثمان ، وعلي ، ومعاوية ، والحسن ، وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم حتى لا يدريها أحد إلا مالك ومن قلده - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية