الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: قل من كان عدوا لجبريل قال ابن عباس: أقبلت اليهود إلى النبي ، صلى الله عليه وسلم فقالوا: من يأتيك من الملائكة؟ قال: جبريل ، فقالوا: ذاك ينزل بالحرب والقتال ، ذاك عدونا ، فنزلت هذه الآية والتي تليها .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي جبريل إحدى عشرة لغة .

                                                                                                                                                                                                                                      إحداها: جبريل ، بكسر الجيم والراء من غير همز ، وهي لغة أهل الحجاز ، وبها قرأ ابن عامر ، وأبو عمرو . قال ورقة بن نوفل:


                                                                                                                                                                                                                                      وجبريل يأتيه وميكال معهما من الله وحي يشرح الصدر منزل

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 118 ] وقال عمران بن حطان:


                                                                                                                                                                                                                                      والروح جبريل فيهم لا كفاء له     وكان جبريل عند الله مأمونا



                                                                                                                                                                                                                                      وقال حسان:


                                                                                                                                                                                                                                      وجبريل رسول الله فينا     وروح القدس ليس له كفاء



                                                                                                                                                                                                                                      واللغة الثانية: جبريل بفتح الجيم وكسر الراء ، وبعدها ياء ساكنة من غير همز على وزن: فعليل ، وبها قرأ الحسن البصري ، وابن كثير ، وابن محيصن . وقال الفراء: لا أشتهيها ، لأنه ليس في الكلام فعليل ، ولا أرى الحسن قرأها إلا وهو صواب ، لأنه اسم أعجمي .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالثة: جبرئيل بفتح الجيم والراء ، وبعدها همزة مكسورة على وزن: جبرعيل ، وبها قرأ ، الأعمش ، وحمزة ، والكسائي . قال الفراء: وهي لغة تميم وقيس ، وكثير من أهل نجد . وقال الزجاج: هي أجود اللغات ، وقال جرير:


                                                                                                                                                                                                                                      عبدوا الصليب وكذبوا بمحمد     وبجبرئيل وكذبوا ميكالا



                                                                                                                                                                                                                                      والرابعة: جبرئل بفتح الجيم والراء وهمزة بين الراء واللام ، مكسورة من غير مد على وزن: جبرعل ، رواها أبو بكر عن عاصم .

                                                                                                                                                                                                                                      والخامسة جبرئل ، بفتح الجيم وكسر الهمزة وتشديد اللام ، وهي قراءة أبان عن عاصم ، ويحيى بن يعمر .

                                                                                                                                                                                                                                      والسادسة: جبرائيل ، بهمزة مكسورة بعدها ياء مع الألف .

                                                                                                                                                                                                                                      والسابعة: جبراييل بيائين بعد الألف أولهما مكسورة .

                                                                                                                                                                                                                                      والثامنة: جبرين ، بفتح الجيم ونون مكان اللام .

                                                                                                                                                                                                                                      والتاسعة: جبرين ، بكسر الجيم وبنون ، قال الفراء: هي لغة بني أسد . وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي عن ابن الأنباري قال: في جبريل تسع لغات ، فذكرهن .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 119 ] وذكر ابن الأنباري في كتاب "الرد على من خالف مصحف عثمان" جبرائل ، بفتح الجيم وإثبات الألف مع همزة مكسورة ليس بعدها ياء . وجبرئين ، بفتح الجيم مع همزة مكسورة بعدها ياء ونون .

                                                                                                                                                                                                                                      فأما ميكائيل ، ففيه خمس لغات .

                                                                                                                                                                                                                                      إحداهن: ميكال ، مثل: مفعال بغير همز ، وهي لغة أهل الحجاز ، وبها قرأ أبو عمرو وحفص عن عاصم .

                                                                                                                                                                                                                                      والثانية: ميكائيل بإثبات ياء ساكنة بعد الهمزة ، مثل: ميكاعيل ، وهي لغة تميم وقيس ، وكثير من أهل نجد ، وبها قرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالثة: ميكائل بهمزة مكسورة بعد الألف من غير ياء ، مثل ميكاعل ، وبها قرأ نافع ، وابن شنبوذ ، وابن الصباح ، جميعا عن قنبل .

                                                                                                                                                                                                                                      والرابعة: ميكئل ، على وزن: ميكعل ، وبها قرأ ابن محيصن .

                                                                                                                                                                                                                                      والخامسة: ميكائين بهمزة معها ياء ونون بعد الألف ، ذكرها ابن الأنباري .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الكسائي: جبريل وميكائيل ، اسمان لم تكن العرب تعرفهما ، فلما جاءا عربتهما . قال ابن عباس: جبريل وميكائيل ، كقولك: عبد الله وعبد الرحمن ، ذهب إلى أن "إيل" اسم الله ، واسم الملك ، "جبر" و"ميكا" . وقال عكرمة: معنى جبريل: عبد الله ، ومعنى ميكائيل: عبيد الله ، وقد دخل جبريل وميكائيل في الملائكة ، لكنه أعاد ذكرهما لشرفهما ، كقوله تعالى: فيهما فاكهة ونخل ورمان [ الرحمن: 68 ] . وإنما قال: فإن الله عدو للكافرين ولم يقل: لهم ، ليدل على أنهم كافرون بهذه العداوة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية