الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              138 (31) باب

                                                                                              ركوب الكبائر غير مخرج للمؤمن من إيمانه

                                                                                              [ 74 ] عن أبي ذر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ; أنه قال : أتاني جبريل - عليه السلام - ، فبشرني : أنه من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ، قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : وإن زنى ، وإن سرق .

                                                                                              وفي رواية : قالها ثلاثا ، ثم قال في الرابعة : على رغم أنف أبي ذر ، قال : فخرج أبو ذر وهو يقول : وإن رغم أنف أبي ذر .


                                                                                              رواه أحمد ( 5 \ 61 ) ، والبخاري ( 2388 ) ، ومسلم ( 94 ) ، وأبو داود ( 2646 ) .

                                                                                              [ ص: 291 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 291 ] (31) ومن باب ركوب الكبائر غير مخرج للمؤمن من إيمانه

                                                                                              (قوله - عليه الصلاة والسلام - : " أتاني جبريل ، فبشرني : أنه من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ") يدل على شدة تهمم النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمر أمته ، وتعلق قلبه بما ينجيهم ، وخوفه عليهم ; ولذلك سكن جبريل قلبه بهذه البشرى . وهذا نحو من حديث عمرو بن العاص الذي يأتي بعد هذا ، الذي قال فيه : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - تلا قول إبراهيم - عليه السلام - : فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم [ إبراهيم : 36 ] ، وقول عيسى : إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم [ المائدة : 118 ] . فرفع النبي - صلى الله عليه وسلم - يديه وبكى ، وقال : رب ، أمتي أمتي ، فنزل عليه جبريل ، فقال له مخبرا عن الله تعالى : إن الله سيرضيك في أمتك ولا يسوؤك . وهذا منه - صلى الله عليه وسلم - مقتضى ما جبله الله تعالى عليه من الخلق الكريم ، وأنه بالمؤمنين رءوف رحيم .

                                                                                              و (قوله : " لا يشرك بالله شيئا ") معناه بحكم أصل الوضع : ألا يتخذ معه شريكا في الألوهية ، ولا في الخلق ; كما قدمناه . لكن هذا القول قد صار بحكم العرف : عبارة عن الإيمان الشرعي ; ألا ترى أن من وحد الله تعالى ولم يؤمن [ ص: 292 ] بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، لم ينفعه إيمانه بالله تعالى ، ولا توحيده ، وكان من الكافرين بالإجماع القطعي .

                                                                                              و (قوله : " على رغم أنف أبي ذر ") رويناه بفتح الراء ، وهي إحدى لغاته ; فإنه يقال بفتحها وضمها وكسرها ، وهو مصدر رغم ، بفتح الغين وكسرها ، وهو مأخوذ من الرغام ، وهو التراب ، يقال : أرغم الله أنفه ، أي : ألصقه بالتراب ، ورغم أنفي لله ، أي : خضع وذل ; فكأنه لصق بالتراب .

                                                                                              والمراغمة : المغاضبة ، والمراغم : المذهب والمهرب ، ومنه : يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة [ النساء : 100 ] . وإنما واجه النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا ذر بهذه الكلمات ; لما فهم عنه من استبعاده دخول من زنى ومن سرق الجنة ، وكان وقع له هذا الاستبعاد بسبب ظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم - : لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن . . الحديث ، ومما هو في معناه ، فرد النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الوهم وأنكره ، وكان هذا الحديث نصا في الرد على المكفرة بالكبائر ; كما تقدم . وخروج أبي ذر قائلا : وإن رغم أنف أبي ذر ، رجوع منه عما كان وقع له من ذلك ، وانقياد للحق لما تبين له .




                                                                                              الخدمات العلمية