الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          ولا تصح إلا بشروط ثلاثة ، أحدها : معرفة المنفعة إما بالعرف كسكنى الدار شهرا وخدمة العبد سنة ، وإما بالوصف كحمل زبرة حديد وزنها كذا إلى موضع معين ، وبناء حائط يذكر طوله ، وعرضه ، وسمكه ، وآلته ، وإجارة أرض معينة لغرس كذا أو زرع أو بناء معلوم ، وإن استأجر للركوب وذكر المركوب فرسا أو بعيرا ونحوه ، وإن كان للحمل لم يحتج إلى ذكره .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( ولا تصح إلا بشروط ثلاثة ، أحدها : معرفة المنفعة ) لأنها هي المعقود عليها ، فاشترط العلم بها كالمبيع ( إما بالعرف ) أي ما يتعارفه الناس بينهم ( كسكنى الدار شهرا ) لأنها لا تكرى إلا لذلك فلا يعمل فيها حدادة ولا [ ص: 64 ] قصارة ، ولا دابة ، والأشهر ولا مخزنا للطعام ، ويستحق ماء البئر تبعا للدار في الأصح ، قيل لأحمد : يجيء زوار عليه أن يخبر صاحب البيت بهم ؛ قال : ربما كثروا ، ورأى أن يخبر ، وله إسكان ضيف وزائر ، وفي " الرعاية " : يجب ذكر السكنى ، وصفتها ، وعدد من يسكنها ، وصفتهم إن اختلفت الأجرة ، ورد بأن التفاوت في السكنى يسير ، فلم يحتج إلى ضبطه ( وخدمة العبد سنة ) ولو عبر بالآدمي لعم ( سنة ) لأنها معلومة بالعرف فلم يحتج إلى بيانها كالسكنى ، وفي " النوادر " ، و " الرعاية " يخدم ليلا ونهارا ، فإن استأجره للعمل استحقه ليلا ، قال أحمد : أجير المشاهرة يشهد الأعياد والجمع ، قيل له : فيتطوع بالركعتين ؛ قال : ما لم يضر بصاحبه ; لأن الصلاة مستثناة من الخدمة ، فإن استأجر حرة أو أمة للخدمة صرف وجهه عن النظر ، وعلم منه إباحة إجارة العقار والحيوان حكاه ابن المنذر إجماعا .

                                                                                                                          ( وإما بالوصف كحمل زبرة حديد وزنها كذا إلى موضع معين ) أي لا بد من ذكر الوزن والمكان الذي تحمل إليه ; لأن المنفعة إنما تعرف بذلك ، فيشترط ذلك في كل محمول ، فلو كان كتابا فوجد المحمول إليه غائبا ، فله الأجر لذهابه ورده ، وفي " الرعاية " وهو ظاهر " الترغيب " إن وجده ميتا فالمسمى فقط ويرده ( وبناء حائط يذكر طوله ، وعرضه ، وسمكه ، وآلته ) لأن المعرفة لا تحصل إلا بذلك ، والغرض يختلف ، فلم يكن بد من ذكره ، فيذكر آلة البناء من حجارة ، أو آجر ، أو لبن ، فلو عمله ثم سقط فله أجره ; لأنه وفى بعمله ، وإن فرط أو بناه محلولا فسقط لزمه إعادته وغرامة ما تلف [ ص: 65 ] منه ، وإن شارطه على رفعه أذرعا معلومة ، فرفع بعضه ثم سقط فعليه ما سقط وإتمام ما وقعت عليه الإجارة من الذرع .

                                                                                                                          فرع : يجوز الاستئجار لضرب اللبن ، ويكون على مدة وعمل ، فإن قدره بالعمل احتاج إلى تعيين عدده ، وذكر قالبه ، وموضع الضرب ; لأنه يختلف باعتبار التراب والماء ولا يكتفى بمشاهدة القالب إذا لم يكن معروفا كالسلم ، ولا يلزمه إقامته ليجف ، وقيل : بلى إن كان عرف مكانه .

                                                                                                                          ( وإجارة أرض معينة ) أي معلومة ( لغرس كذا أو زرع أو بناء معلوم ) لأنها تؤجر لذلك كله وضرره يختلف ، فوجب بيانه ، ويأتي الخلاف فيما إذا أطلق .

                                                                                                                          ( وإن استأجر للركوب وذكر المركوب فرسا أو بعيرا ونحوه ) لأن منافعها تختلف ، ويشترط معرفته برؤية أو صفة كمبيع ، وما يركب به من سرج وغيره ، وكيفية سيره كقطوف ونحوه ، وقدم في " الترغيب " لا يشترط ، وظاهره أنه لا يحتاج إلى ذكوريته ، وأنوثيته في الأصح ; لأن التفاوت بينهما يسير ، ولا بد من معرفة الراكب كمبيع ، وقال الشريف : لا يجزئ فيه إلا الرؤية ; لأن الصفة لا تأتي عليه ، ومعرفة المحامل ، والأوطئة ، والأغطية ، ونحوها إما برؤية أو صفة ، أو وزن ، وقيل : لا يجب ذكر توابع الراكب ، فلو شرط حمل زاد معلوم وأطلق فله حمل ما نقص كالماء ، وقيل : لا ، بأكل معتاد ، وفي وجوب تقدير الطعام في السفر احتمالان ( وإن كان للحمل لم يحتج إلى ذكره ) لأن الغرض في ذلك لا يختلف ، لكن إن كان المحمول خزفا أو زجاجا تعين معرفة الدابة في الأصح ; لأن فيه [ ص: 66 ] غرضا ، وقيل : يعتبر مطلقا ، ويتوجه مثله ما يدير دولابا أو رحى ، واعتبره في " التبصرة " ويشترط معرفة محمول برؤية ، أو صفة ، ويذكر جنسه من حديد ، وقطن ; لأن ضرره يختلف ، واكتفى ابن عقيل ، وصاحب " الترغيب " بالوزن .




                                                                                                                          الخدمات العلمية