الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " إن إبراهيم كان أمة " قال ابن الأنباري : هذا مثل قول العرب : فلان رحمة ، وفلان علامة ، ونسابة ، ويقصدون بهذا التأنيث قصد التناهي في المعنى الذي يصفونه ، والعرب قد توقع الأسماء المبهمة على الجماعة ، وعلى الواحد ، كقوله : فنادته الملائكة [آل عمران :39] ، وإنما ناداه جبريل وحده .

                                                                                                                                                                                                                                      وللمفسرين في المراد بالأمة هاهنا ثلاثة أقوال :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها : أن الأمة : الذي يعلم الخير ، قاله ابن مسعود ، والفراء ، وابن قتيبة .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : أنه المؤمن وحده في زمانه ، روى هذا المعنى الضحاك عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث : أنه الإمام الذي يقتدى به ، قاله قتادة ، ومقاتل ، وأبو عبيدة ، وهو في معنى القول الأول . فأما القانت فقال ابن مسعود : هو المطيع . وقد شرحنا " القنوت " في (البقرة 116،238) وكذلك الحنيف [البقرة :135] .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 504 ] قوله تعالى : " ولم يك " قال الزجاج : أصلها : لم يكن ، وإنما حذفت النون عند سيبويه ، لكثرة استعمال هذا الحرف ، وذكر الجلة من البصريين أنها إنما احتملت الحذف ، لأنه اجتمع فيها كثرة الاستعمال ، وأنها عبارة عن كل ما يمضي من الأفعال وما يستأنف ، وأنها قد أشبهت حروف اللين ، وأنها تكون علامة كما تكون حروف اللين علامة ، وأنها غنة تخرج من الأنف ، فلذلك احتملت الحذف .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " شاكرا لأنعمه " انتصب بدلا من قوله : " أمة قانتا " وقد ذكرنا واحد الأنعم آنفا ، وشرحنا معنى " الاجتباء " في (الأنعام :87) قال مقاتل : والمراد بالصراط المستقيم هاهنا : الإسلام .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " وآتيناه في الدنيا حسنة " فيها ستة أقوال :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها : أنها الذكر الحسن ، قاله ابن عباس . والثاني : النبوة ، قاله الحسن .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث : لسان صدق ، قاله مجاهد . والرابع : اجتماع الملل على ولايته ، فكلهم يتولونه ويرضونه ، قاله قتادة . والخامس : أنها الصلاة عليه مقرونة بالصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم ، قاله مقاتل بن حيان . والسادس : الأولاد الأبرار على الكبر ، حكاه الثعلبي . وباقي الآية مفسر في (البقرة :130) .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية