الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين ( 5 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : " ومن يكفر بالإيمان " ، ومن يجحد ما أمر الله بالتصديق به ، من توحيد الله ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به [ ص: 592 ] من عند الله وهو"الإيمان" ، الذي قال الله جل ثناؤه : " ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله " يقول : فقد بطل ثواب عمله الذي كان يعمله في الدنيا ، يرجو أن يدرك به منزلة عند الله . " وهو في الآخرة من الخاسرين " ، يقول : وهو في الآخرة من الهالكين ، الذين غبنوا أنفسهم حظوظها من ثواب الله بكفرهم بمحمد ، وعملهم بغير طاعة الله .

وقد ذكر أن قوله : " ومن يكفر بالإيمان " ، عنى به أهل الكتاب ، وأنه أنزل على رسول الله صلى عليه وسلم من أجل قوم تحرجوا نكاح نساء أهل الكتاب لما قيل لهم : " أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " .

ذكر من قال ذلك :

11290 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : ذكر لنا أن ناسا من المسلمين قالوا : كيف نتزوج نساءهم يعني : نساء أهل الكتاب وهم على غير ديننا ؟ فأنزل الله عز ذكره : " ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين " ، فأحل الله تزويجهن على علم .

وبنحو الذي قلنا في تأويل"الإيمان" قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك .

11291 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا مؤمل قال : حدثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء : " ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله " ، قال : "الله" ، الإيمان .

[ ص: 593 ]

11292 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن واصل ، عن عطاء : "ومن يكفر بالإيمان" ، قال : "الإيمان" ، التوحيد .

11293 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : "ومن يكفر بالإيمان" ، قال : بالله .

11294 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا يحيى ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

11295 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد في قوله : " ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله " ، قال : من يكفر بالله .

11296 - حدثنا محمد قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "ومن يكفر بالإيمان" ، قال : من يكفر بالله .

11297 - حدثنا محمد قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "ومن يكفر بالإيمان" ، قال : الكفر بالله .

11298 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة . قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

11299 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : " ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله " ، قال : أخبر الله سبحانه أن"الإيمان" هو العروة الوثقى ، وأنه لا يقبل عملا إلا به ، ولا يحرم الجنة إلا على من تركه .

فإن قال لنا قائل : وما وجه تأويل من وجه قوله : " ومن يكفر بالإيمان " ، إلى معنى : ومن يكفر بالله ؟ [ ص: 594 ]

قيل : وجه تأويله ذلك كذلك ، أن"الإيمان" هو التصديق بالله وبرسله وما ابتعثهم به من دينه ، و"الكفر" جحود ذلك . قالوا : فمعنى"الكفر بالإيمان" ، هو جحود الله وجحود توحيده . ففسروا معنى الكلمة بما أريد بها ، وأعرضوا عن تفسير الكلمة على حقيقة ألفاظها وظاهرها في التلاوة .

فإن قال قائل : فما تأويلها على ظاهرها وحقيقة ألفاظها ؟

قيل : تأويلها : ومن يأب الإيمان بالله ، ويمتنع من توحيده والطاعة له فيما أمره به ونهاه عنه ، فقد حبط عمله . وذلك أن"الكفر" هو الجحود في كلام العرب ، و"الإيمان" التصديق والإقرار . ومن أبى التصديق بتوحيد الله والإقرار به ، فهو من الكافرين فذلك تأويل الكلام على وجهه .

التالي السابق


الخدمات العلمية