الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الطرف الثالث : في تعليقها بزمان وفيه مسائل .

                                                                                                                                                                        الأولى : قالت : طلقني غدا ولك علي ألف ، أو إن طلقتني غدا فلك علي ألف ، أو قالت : خذ هذا الألف على أن تطلقني غدا فأخذه ، لم يصح ، ولم يلزم الطلاق ؛ لأنه سلم في الطلاق والطلاق لا يثبت في الذمة .

                                                                                                                                                                        ثم إن طلقها في الغد أو قبله ، وقع الطلاق بائنا ولزمها المال ؛ لأنه إن طلق في الغد ، فقد حصل مقصودها .

                                                                                                                                                                        وإن طلق قبله ، فقد زادها كما لو سألت طلقة فطلق ثلاثا . فلو قال : أردت الابتداء ، صدق بيمينه وله الرجعة ، وفي المال الواجب طريقان .

                                                                                                                                                                        المذهب والمنصوص : مهر المثل . والثاني : قولان . ثانيهما : المسمى . [ ص: 425 ] وهل يفرق بين أن يطلقها عالما ببطلان ما جرى ، وبين تطليقها جاهلا ببطلانه ؟ قال القاضي حسين والبغوي : يفرق ولا يلزمها شيء إذا طلقها عالما ، بل يقع رجعيا ، وضعفه الإمام ، واستشهد بالخلع على الخمر وسائر الأعواض الفاسدة ، فإنه لا فرق في ثبوت المال بين العلم والجهل .

                                                                                                                                                                        وإن طلقها بعد مضي الغد ، نفذ رجعيا ؛ لأنه خالف قولها ، فكان مبتدئا ، فإن ذكر مالا ، اشترط في وقوعه القبول .

                                                                                                                                                                        الثانية : قالت : لك ألف إن طلقتني في هذا الشهر ولم تؤخر تطليقي عنه ، أو قالت : خذ هذا الألف على أن تطلقني في هذا الشهر متى شئت ، فهو باطل وأولى بالبطلان من مسألة الغد ، فإن طلقها بعد الشهر كان مبتدئا ، وإن طلقها في الشهر ، وقع الطلاق بائنا . وفي المال الواجب الطريقان .

                                                                                                                                                                        ولا يشترط وقوع الطلاق في المجلس ، وقد ذكرنا في الباب الأول ، وفي الطرف الأول من هذا الباب ، أنها إذا قالت : متى طلقتني فلك ألف يشترط التطليق في المجلس .

                                                                                                                                                                        وللأصحاب طريقان حكاهما الإمام ، أحدهما : طرد القولين فيهما ، والمذهب : الفرق ؛ لأن كلمة " متى " ظاهر في جواز التأخر ، لكن قرينة العوض خصتها بالمجلس عملا بقاعدة المعاوضات ، وهنا صرحت بجواز التأخير ، فضعفت القرينة عن مقاومة الصريح على طريقة التسوية : هي اشتراط المجلس وعدمه ، والمسمى صحيح في تلك الصورة بلا خلاف .

                                                                                                                                                                        الثالثة : قالت : طلقني بألف طلاقا يمتد تحريمه إلى شهر ، ثم أكون في نكاحك حلالا لك ، فطلقها كذلك ، وقع الطلاق مؤبدا ، وفي قدر المال الواجب [ ص: 426 ] الطريقان ، وطريقة القطع هنا أظهر ؛ لأن الشرط هنا لا يمكن الوفاء به ، وفساد الشرط يوجب الجهل بالعوض ، فيتعين مهر المثل .

                                                                                                                                                                        الرابعة : علق طلاقها بصفة وذكر عوضا فقال : طلقتك إذا جاء غد ، أو رأس الشهر أو دخلت الدار على ألف ، فقبلت ، أو سألته ، فقالت : علق طلاقي برأس الشهر ، أو بدخول الدار على ألف فعلق ، فالصحيح وقوع الطلاق عند وجود المعلق عليه على مقتضى التعليق .

                                                                                                                                                                        وقيل : لا يقع لأن المعاوضة لا تقبل التعليق ، فيمتنع ثبوت المال . وإذا لم يثبت ، لم تطلق لارتباطه ، فإن قلنا بالصحيح ، اشترط القبول على الاتصال ، قال القفال : ويحتمل أنها تخير بين القبول في الحال ، أو عند وجود الصفة ، والمعروف الأول .

                                                                                                                                                                        ثم الواجب المسمى أم مهر المثل ؟ وجهان . وقيل : قولان ، أصحهما عند الجمهور : الأول ، ويجري الخلاف فيما إذا قالت : إذا جاء رأس الشهر وطلقتني ، فلك ألف فطلقها عند رأس الشهر إجابة لها .

                                                                                                                                                                        وقيل : إن ابتدأ الزوج بالتعليق ، وجب المسمى ، وإن ابتدأت بالسؤال ، فمهر المثل . وإذا أثبتنا المسمى ، فمتى يجب ويلزم تسليمه ؟ فيه أوجه .

                                                                                                                                                                        أصحها : في الحال ، واختاره ابن الصباغ ؛ لأن الأعواض المطلقة يلزم تسليمها في الحال ، والمعوض تأخر بالتراضي . فإن تعذر تسليم المعوض ، بأن فارقها قبل وجود المعلق عليه ، لزم رد العوض كما لو تعذر تسليم المسلم فيه .

                                                                                                                                                                        والثاني : يجب في الحال ، لكن لا يلزم تسليمه إلا عند وجود المعلق عليه لتأخر المعوض .

                                                                                                                                                                        [ ص: 427 ] والثالث : لا يجب إلا عند البينونة ، ولا شك أنه لا رجوع لها قبل القبول . فأما إذا قالت : طلقني غدا ولك ألف ، أو إن طلقتني غدا ، فلك ألف ، وهما الصورتان السابقتان في المسألة الأولى ، فلها الرجوع قبل التطليق ؛ لأن الجواب به يحصل وما يستحقه الزوج هناك يستحقه عند التطليق .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية