[ ص: 369 ] فصل ولما كان الأمر كما أخبر الله به في قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=79ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك } أوجب هذا : أن
لا يطلب العبد الحسنات - والحسنات تدخل فيها كل نعمة - إلا من الله . وأن يعلم أنها من الله وحده فيستحق الله عليها الشكر الذي لا يستحقه غيره . ويعلم أنه لا إله إلا هو . كما قال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=53وما بكم من نعمة فمن الله } . فهذا يوجب على العبد شكره وعبادته وحده . ثم قال {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=53ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون } وهذا إخبار عن حالهم والجؤار : يتضمن رفع الصوت .
nindex.php?page=treesubj&link=29440_24262_19769والإنسان إنما يجأر إذا أصابه الضر . وأما في حال النعمة : فهو ساكن إما شاكرا وإما كفورا {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=53ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=54ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون } .
[ ص: 370 ] وهذا المعنى قد ذكره الله في غير موضع يذم من يشرك به بعد كشف البلاء عنه وإسباغ النعماء عليه فيضيف العبد - بعد ذلك - الإنعام إلى غيره . ويعبد غيره تعالى . ويجعل المشكور غيره على النعم كما قال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=33وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=55ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون } وقال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=63قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=64قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون } وقال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=8وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار } . وقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=8نسي ما كان يدعو إليه } أي نسي الضر الذي كان يدعو الله لدفعه عنه كما قال في سورة الأنعام {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=40قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=41بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون } . فذم الله سبحانه حزبين : حزبا لا يدعونه في الضراء . ولا يتوبون إليه . وحزبا يدعونه ويتضرعون إليه ويتوبون إليه .
فإذا
[ ص: 371 ] كشف الضر عنهم : أعرضوا عنه وأشركوا به ما اتخذوهم من الأنداد من دونه . فهذا الحزب نوعان -
كالمعطلة والمشركة - حزب إذا نزل بهم الضر لم يدعوا الله ولم يتضرعوا إليه ولم يتوبوا إليه كما قال {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=42ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=43فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون } وقال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=76ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون } وقال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=126أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون } وقال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=21ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون } وحزب يتضرعون إليه في حال الضراء .
ويتوبون إليه . فإذا كشفها عنهم : أعرضوا عنه كما قال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=12وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون } وقال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=51وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض } وقال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=67وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا } وقال في المشركين ما تقدم {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=53ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=54ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون } .
والممدوح : هو القسم الثالث . وهم الذين يدعونه ويتوبون إليه . ويثبتون على عبادته والتوبة إليه في حال السراء . فيعبدونه ويطيعونه في السراء والضراء . وهم
nindex.php?page=treesubj&link=19769أهل الصبر والشكر كما ذكر ذلك عن أنبيائه عليهم السلام . فقال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=87وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=88فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين } وقال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=34ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب } {
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=35قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب } وقال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=21وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب } {
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=22إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط } {
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=23إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب } {
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=24قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب } {
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=25فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب } وقال تعالى عن
آدم وحواء {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=22فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=23قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=37فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم }
. وقال تعالى عن المؤمنين الذين قتل نبيهم {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=146وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=147وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=148فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين } . وقوله " قتل " أي النبي قتل . هذا أصح القولين . وقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=146معه ربيون كثير } جملة في موضع الخبر صفة للنبي - صفة بعد صفة - أي كم من نبي معه ربيون كثير قتل ولم يقتلوا معه . فإنه كان يكون المعنى : أنه قتل وهم معه . والمقصود : أنه كان معه ربيون كثير وقتل في الجملة . وأولئك الربيون ما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا
.
[ ص: 374 ] و " الربيون " الجموع الكثيرة . وهم الألوف الكثيرة . وهذا المعنى : هو الذي يناسب سبب النزول وهو ما أصابهم يوم
أحد لما قيل : " إن
محمدا قد قتل " وقد قال قبل ذلك {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=144وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين } وهي التي تلاها
أبو بكر الصديق رضي الله عنه يوم مات النبي صلى الله عليه وسلم
. وقال " من كان يعبد
محمدا فإن
محمدا قد مات . ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت " . فإنه عند قتل النبي وموته : تحصل فتنة عظيمة للناس - المؤمنين والكافرين - وتحصل ردة ونفاق لضعف قلوب أتباعه لموته ولما يلقيه الشيطان في قلوب الكافرين : إن هذا قد انقضى أمره وما بقي يقوم دينه . وأنه لو كان نبيا لما قتل وغلب . ونحو ذلك . فأخبر الله تعالى : أنه كم من نبي قتل ؟ . فإن
بني إسرائيل قتلوا كثيرا من الأنبياء .
والنبي معه ربيون كثير أتباع له . وقد يكون قتله في غير حرب ولا قتال . بل يقتل وقد اتبعه ربيون كثير . فما وهن المؤمنون لما أصابهم بقتله وما ضعفوا . وما استكانوا . والله يحب الصابرين . ولكن استغفروا لذنوبهم التي بها
[ ص: 375 ] تحصل المصائب - فما أصابهم من سيئة فمن أنفسهم - وسألوا الله أن يغفر لهم وأن يثبت أقدامهم فيثبتهم على الإيمان والجهاد لئلا يرتابوا . ولا ينكلوا عن الجهاد .
قال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=15إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون } وسألوه أن ينصرهم على القوم الكافرين . سألوا ربهم ما يفعل لهم في أنفسهم من التثبيت وما يعطيهم من عنده من النصر . فإنه هو الناصر وحده . وما النصر إلا من عند الله .
وكذا أنزل الملائكة عونا لهم . قال تعالى لما أنزل الملائكة {
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=10وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم } وقال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=148فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين } وهذا مبسوط في موضع آخر .
والمقصود هنا : أنه لما كانت الحسنة من إحسانه تعالى والمصائب من نفس الإنسان - وإن كانت بقضاء الله وقدره - وجب على العبد أن يشكر ربه سبحانه وأن يستغفره من ذنوبه . وألا يتوكل إلا عليه وحده . فلا يأتي بالحسنات إلا هو . فأوجب ذلك للعبد : توحيده والتوكل عليه وحده والشكر له وحده والاستغفار من الذنوب .
[ ص: 376 ]
وهذه الأمور كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمعها في الصلاة . كما ثبت عنه في الصحيح {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597591أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع يقول : ربنا ولك الحمد ملء السماء وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد . أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد } فهذا حمد وهو شكر لله تعالى . وبيان أن حمده أحق ما قاله العبد . ثم يقول بعد ذلك {
nindex.php?page=hadith&LINKID=15034اللهم لا مانع لما أعطيت . ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد } . وهذا تحقيق لوحدانيته : لتوحيد الربوبية . خلقا وقدرا وبداية وهداية . هو المعطي المانع . لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع ولتوحيد الإلهية - شرعا وأمرا ونهيا - وهو أن العباد وإن كانوا يعطون ملكا وعظمة وبختا ورياسة في الظاهر أو في الباطن كأصحاب المكاشفات والتصرفات الخارقة {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597592فلا ينفع ذا الجد منك الجد } أي لا ينجيه ولا يخلصه من سؤالك وحسابك حظه وعظمته وغناه .
ولهذا قال {
لا ينفعه منك } ولم يقل " لا ينفعه عندك " فإنه لو قيل ذلك : أوهم أنه لا يتقرب به إليك لكن قد لا يضره . فيقول صاحب الجد : إذا سلمت من العذاب في الآخرة فما أبالي كالذين
[ ص: 377 ] أوتوا النبوة والملك لهم ملك في الدنيا وهم من السعداء فقد يظن ذو الجد - الذي لم يعمل بطاعة الله من بعده - أنه كذلك .
فقال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=42431ولا ينفع ذا الجد منك } ضمن " ينفع " معنى " ينجي ويخلص " فبين أن جده لا ينجيه من العذاب . بل يستحق بذنوبه ما يستحقه أمثاله ولا ينفعه جده منك . فلا ينجيه ولا يخلصه . فتضمن هذا الكلام تحقيق التوحيد وتحقيق قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إياك نعبد وإياك نستعين } وقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=123فاعبده وتوكل عليه } وقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=88عليه توكلت وإليه أنيب } وقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=8واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=9رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا } .
فقوله {
nindex.php?page=hadith&LINKID=58527لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت } توحيد الربوبية الذي يقتضي : أنه سبحانه : هو الذي يسأل ويدعى ويتوكل عليه . وهو سبب لتوحيد الإلهية ودليل عليه . كما يحتج به في القرآن على المشركين . فإن المشركين كانوا يقرون بهذا التوحيد - توحيد الربوبية - ومع هذا يشركون بالله .
فيجعلون له أندادا يحبونهم كحب الله . ويقولون : إنهم شفعاؤنا عنده وإنهم يتقربون بهم إليه . فيتخذونهم شفعاء وقربانا كما قال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=18ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله } وقال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=3والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } وقال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=27ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=28فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة بل ضلوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون } .
[ ص: 369 ] فَصْلٌ وَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ فِي قَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=79مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } أَوْجَبَ هَذَا : أَنْ
لَا يَطْلُبَ الْعَبْدُ الْحَسَنَاتِ - وَالْحَسَنَاتُ تَدْخُلُ فِيهَا كُلُّ نِعْمَةٍ - إلَّا مِنْ اللَّهِ . وَأَنْ يَعْلَمَ أَنَّهَا مِنْ اللَّهِ وَحْدَهُ فَيَسْتَحِقُّ اللَّهُ عَلَيْهَا الشُّكْرَ الَّذِي لَا يَسْتَحِقُّهُ غَيْرُهُ . وَيَعْلَمُ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ . كَمَا قَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=53وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ } . فَهَذَا يُوجِبُ عَلَى الْعَبْدِ شُكْرَهُ وَعِبَادَتَهُ وَحْدَهُ . ثُمَّ قَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=53ثُمَّ إذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ } وَهَذَا إخْبَارٌ عَنْ حَالِهِمْ وَالْجُؤَارُ : يَتَضَمَّنُ رَفْعَ الصَّوْتِ .
nindex.php?page=treesubj&link=29440_24262_19769وَالْإِنْسَانُ إنَّمَا يَجْأَرُ إذَا أَصَابَهُ الضُّرُّ . وَأَمَّا فِي حَالِ النِّعْمَةِ : فَهُوَ سَاكِنٌ إمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=53ثُمَّ إذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=54ثُمَّ إذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ } .
[ ص: 370 ] وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ يَذُمُّ مَنْ يُشْرِكُ بِهِ بَعْدَ كَشْفِ الْبَلَاءِ عَنْهُ وَإِسْبَاغِ النَّعْمَاءِ عَلَيْهِ فَيُضِيفُ الْعَبْدُ - بَعْدَ ذَلِكَ - الْإِنْعَامَ إلَى غَيْرِهِ . وَيَعْبُدُ غَيْرَهُ تَعَالَى . وَيَجْعَلُ الْمَشْكُورَ غَيْرَهُ عَلَى النِّعَمِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=33وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إلَيْهِ ثُمَّ إذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=55لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } وَقَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=63قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=64قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ } وَقَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=8وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إلَيْهِ ثُمَّ إذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ } . وَقَوْلُهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=8نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إلَيْهِ } أَيْ نَسِيَ الضُّرَّ الَّذِي كَانَ يَدْعُو اللَّهُ لِدَفْعِهِ عَنْهُ كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=40قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=41بَلْ إيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إلَيْهِ إنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ } . فَذَمَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ حِزْبَيْنِ : حِزْبًا لَا يَدْعُونَهُ فِي الضَّرَّاءِ . وَلَا يَتُوبُونَ إلَيْهِ . وَحِزْبًا يَدْعُونَهُ وَيَتَضَرَّعُونَ إلَيْهِ وَيَتُوبُونَ إلَيْهِ .
فَإِذَا
[ ص: 371 ] كَشَفَ الضُّرَّ عَنْهُمْ : أَعْرَضُوا عَنْهُ وَأَشْرَكُوا بِهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ مِنْ الْأَنْدَادِ مِنْ دُونِهِ . فَهَذَا الْحِزْبُ نَوْعَانِ -
كَالْمُعَطِّلَةِ وَالْمُشْرِكَةِ - حِزْبٌ إذَا نَزَلَ بِهِمْ الضُّرُّ لَمْ يَدْعُوا اللَّهَ وَلَمْ يَتَضَرَّعُوا إلَيْهِ وَلَمْ يَتُوبُوا إلَيْهِ كَمَا قَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=42وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=43فَلَوْلَا إذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } وَقَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=76وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ } وَقَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=126أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ } وَقَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=21وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } وَحِزْبٌ يَتَضَرَّعُونَ إلَيْهِ فِي حَالِ الضَّرَّاءِ .
وَيَتُوبُونَ إلَيْهِ . فَإِذَا كَشَفَهَا عَنْهُمْ : أَعْرَضُوا عَنْهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=12وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } وَقَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=51وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ } وَقَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=67وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إلَّا إيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا } وَقَالَ فِي الْمُشْرِكِينَ مَا تَقَدَّمَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=53ثُمَّ إذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=54ثُمَّ إذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ } .
وَالْمَمْدُوحُ : هُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ . وَهُمْ الَّذِينَ يَدْعُونَهُ وَيَتُوبُونَ إلَيْهِ . وَيَثْبُتُونَ عَلَى عِبَادَتِهِ وَالتَّوْبَةُ إلَيْهِ فِي حَالِ السَّرَّاءِ . فَيَعْبُدُونَهُ وَيُطِيعُونَهُ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ . وَهُمْ
nindex.php?page=treesubj&link=19769أَهْلُ الصَّبْرِ وَالشُّكْرِ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ عَنْ أَنْبِيَائِهِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ . فَقَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=87وَذَا النُّونِ إذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=88فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ } وَقَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=34وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=35قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ } وَقَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=21وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=22إذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=23إنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=24قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=25فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ } وَقَالَ تَعَالَى عَنْ
آدَمَ وَحَوَّاءَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=22فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=23قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=37فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }
. وَقَالَ تَعَالَى عَنْ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ قُتِلَ نَبِيُّهُمْ {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=146وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=147وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=148فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } . وَقَوْلُهُ " قُتِلَ " أَيْ النَّبِيُّ قُتِلَ . هَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ . وَقَوْلُهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=146مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ } جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ صِفَةٌ لِلنَّبِيِّ - صِفَةٌ بَعْدَ صِفَةٍ - أَيْ كَمْ مِنْ نَبِيٍّ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ قُتِلَ وَلَمْ يُقْتَلُوا مَعَهُ . فَإِنَّهُ كَانَ يَكُونُ الْمَعْنَى : أَنَّهُ قُتِلَ وَهُمْ مَعَهُ . وَالْمَقْصُودُ : أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ وَقُتِلَ فِي الْجُمْلَةِ . وَأُولَئِكَ الرِّبِّيُّونَ مَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا
.
[ ص: 374 ] و " الرِّبِّيُّونَ " الْجُمُوعُ الْكَثِيرَةُ . وَهُمْ الْأُلُوفُ الْكَثِيرَةُ . وَهَذَا الْمَعْنَى : هُوَ الَّذِي يُنَاسِبُ سَبَبَ النُّزُولِ وَهُوَ مَا أَصَابَهُمْ يَوْمَ
أُحُدٍ لَمَّا قِيلَ : " إنَّ
مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ " وَقَدْ قَالَ قَبْلَ ذَلِكَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=144وَمَا مُحَمَّدٌ إلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ } وَهِيَ الَّتِي تَلَاهَا
أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
. وَقَالَ " مَنْ كَانَ يَعْبُدُ
مُحَمَّدًا فَإِنَّ
مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ . وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ " . فَإِنَّهُ عِنْدَ قَتْلِ النَّبِيِّ وَمَوْتِهِ : تَحْصُلُ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ لِلنَّاسِ - الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ - وَتَحْصُلُ رِدَّةٌ وَنِفَاقٌ لِضَعْفِ قُلُوبِ أَتْبَاعِهِ لِمَوْتِهِ وَلِمَا يُلْقِيهِ الشَّيْطَانُ فِي قُلُوبِ الْكَافِرِينَ : إنَّ هَذَا قَدْ انْقَضَى أَمْرُهُ وَمَا بَقِيَ يَقُومُ دِينُهُ . وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ نَبِيًّا لَمَا قُتِلَ وَغُلِبَ . وَنَحْوِ ذَلِكَ . فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى : أَنَّهُ كَمْ مِنْ نَبِيٍّ قُتِلَ ؟ . فَإِنَّ
بَنِي إسْرَائِيلَ قَتَلُوا كَثِيرًا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ .
وَالنَّبِيُّ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ أَتْبَاعٌ لَهُ . وَقَدْ يَكُونُ قَتْلُهُ فِي غَيْرِ حَرْبٍ وَلَا قِتَالٍ . بَلْ يُقْتَلُ وَقَدْ اتَّبَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ . فَمَا وَهَنَ الْمُؤْمِنُونَ لِمَا أَصَابَهُمْ بِقَتْلِهِ وَمَا ضَعُفُوا . وَمَا اسْتَكَانُوا . وَاَللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ . وَلَكِنْ اسْتَغْفِرُوا لِذُنُوبِهِمْ الَّتِي بِهَا
[ ص: 375 ] تَحْصُلُ الْمَصَائِبُ - فَمَا أَصَابَهُمْ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ أَنْفُسِهِمْ - وَسَأَلُوا اللَّهَ أَنْ يَغْفِرَ لَهُمْ وَأَنْ يُثَبِّتَ أَقْدَامَهُمْ فَيُثَبِّتَهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ وَالْجِهَادِ لِئَلَّا يَرْتَابُوا . وَلَا يَنْكُلُوا عَنْ الْجِهَادِ .
قَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=15إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } وَسَأَلُوهُ أَنْ يَنْصُرَهُمْ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ . سَأَلُوا رَبَّهُمْ مَا يَفْعَلُ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ مِنْ التَّثْبِيتِ وَمَا يُعْطِيهِمْ مِنْ عِنْدِهِ مِنْ النَّصْرِ . فَإِنَّهُ هُوَ النَّاصِرُ وَحْدَهُ . وَمَا النَّصْرُ إلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ .
وَكَذَا أَنْزَلَ الْمَلَائِكَةَ عَوْنًا لَهُمْ . قَالَ تَعَالَى لَمَّا أَنْزَلَ الْمَلَائِكَةَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=10وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } وَقَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=148فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ .
وَالْمَقْصُودُ هُنَا : أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْحَسَنَةُ مِنْ إحْسَانِهِ تَعَالَى وَالْمَصَائِبُ مِنْ نَفْسِ الْإِنْسَانِ - وَإِنْ كَانَتْ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ - وَجَبَ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَشْكُرَ رَبَّهُ سُبْحَانَهُ وَأَنْ يَسْتَغْفِرَهُ مِنْ ذُنُوبِهِ . وَأَلَّا يَتَوَكَّلَ إلَّا عَلَيْهِ وَحْدَهُ . فَلَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إلَّا هُوَ . فَأَوْجَبَ ذَلِكَ لِلْعَبْدِ : تَوْحِيدَهُ وَالتَّوَكُّلَ عَلَيْهِ وَحْدَهُ وَالشُّكْرَ لَهُ وَحْدَهُ وَالِاسْتِغْفَارَ مِنْ الذُّنُوبِ .
[ ص: 376 ]
وَهَذِهِ الْأُمُورُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُهَا فِي الصَّلَاةِ . كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597591أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ يَقُولُ : رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاءِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا وَمِلْءَ مَا شِئْت مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ . أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ وَكُلُّنَا لَك عَبْدٌ } فَهَذَا حَمْدٌ وَهُوَ شُكْرٌ لِلَّهِ تَعَالَى . وَبَيَانٌ أَنَّ حَمْدَهُ أَحَقُّ مَا قَالَهُ الْعَبْدُ . ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=15034اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْت . وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْت وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْك الْجَدُّ } . وَهَذَا تَحْقِيقٌ لِوَحْدَانِيِّتِهِ : لِتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ . خَلْقًا وَقَدَرًا وَبِدَايَةً وَهِدَايَةً . هُوَ الْمُعْطِي الْمَانِعُ . لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَى وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعَ وَلِتَوْحِيدِ الْإِلَهِيَّةِ - شَرْعًا وَأَمْرًا وَنَهْيًا - وَهُوَ أَنَّ الْعِبَادَ وَإِنْ كَانُوا يُعْطَوْنَ مُلْكًا وَعَظْمَةً وَبَخْتًا وَرِيَاسَةً فِي الظَّاهِرِ أَوْ فِي الْبَاطِنِ كَأَصْحَابِ الْمُكَاشَفَاتِ وَالتَّصَرُّفَاتِ الْخَارِقَةِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597592فَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْك الْجَدُّ } أَيْ لَا يُنْجِيهِ وَلَا يُخَلِّصُهُ مِنْ سُؤَالِك وَحِسَابِك حَظَّهُ وَعَظَمَتَهُ وَغِنَاهُ .
وَلِهَذَا قَالَ {
لَا يَنْفَعُهُ مِنْك } وَلَمْ يَقُلْ " لَا يَنْفَعُهُ عِنْدَك " فَإِنَّهُ لَوْ قِيلَ ذَلِكَ : أَوْهَمَ أَنَّهُ لَا يَتَقَرَّبُ بِهِ إلَيْك لَكِنْ قَدْ لَا يَضُرُّهُ . فَيَقُولُ صَاحِبُ الْجَدِّ : إذَا سَلِمْت مِنْ الْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ فَمَا أُبَالِي كَاَلَّذِينَ
[ ص: 377 ] أُوتُوا النُّبُوَّةَ وَالْمُلْكَ لَهُمْ مُلْكٌ فِي الدُّنْيَا وَهُمْ مِنْ السُّعَدَاءِ فَقَدْ يَظُنُّ ذُو الْجَدِّ - الَّذِي لَمْ يَعْمَلْ بِطَاعَةِ اللَّهِ مِنْ بَعْدِهِ - أَنَّهُ كَذَلِكَ .
فَقَالَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=42431وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْك } ضَمَّنَ " يَنْفَعُ " مَعْنَى " يُنْجِي وَيُخَلِّصُ " فَبَيَّنَ أَنْ جَدَّهُ لَا يُنْجِيهِ مِنْ الْعَذَابِ . بَلْ يَسْتَحِقُّ بِذُنُوبِهِ مَا يَسْتَحِقُّهُ أَمْثَالُهُ وَلَا يَنْفَعُهُ جَدُّهُ مِنْك . فَلَا يُنَجِّيهِ وَلَا يُخَلِّصُهُ . فَتَضَمَّنَ هَذَا الْكَلَامَ تَحْقِيقَ التَّوْحِيدِ وَتَحْقِيقَ قَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } وَقَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=123فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ } وَقَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=88عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } وَقَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=8وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إلَيْهِ تَبْتِيلًا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=9رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا } .
فَقَوْلُهُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=58527لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْت وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْت } تَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ الَّذِي يَقْتَضِي : أَنَّهُ سُبْحَانَهُ : هُوَ الَّذِي يُسْأَلُ وَيُدْعَى وَيُتَوَكَّلُ عَلَيْهِ . وَهُوَ سَبَبٌ لِتَوْحِيدِ الْإِلَهِيَّةِ وَدَلِيلٌ عَلَيْهِ . كَمَا يُحْتَجُّ بِهِ فِي الْقُرْآنِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ . فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يُقِرُّونَ بِهَذَا التَّوْحِيدِ - تَوْحِيدَ الرُّبُوبِيَّةِ - وَمَعَ هَذَا يُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ .
فَيَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ . وَيَقُولُونَ : إنَّهُمْ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَهُ وَإِنَّهُمْ يَتَقَرَّبُونَ بِهِمْ إلَيْهِ . فَيَتَّخِذُونَهُمْ شُفَعَاءَ وَقُرْبَانًا كَمَا قَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=18وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ } وَقَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=3وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إلَّا لِيُقَرِّبُونَا إلَى اللَّهِ زُلْفَى } وَقَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=27وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=28فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } .