الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقوله - عز وجل -: ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا ؛ فأعلم أن بعد هذا البيان والبرهان; تتخذ من دونه الأنداد؛ وهي الأمثال؛ فأبان أن من الناس من يتخذ ندا؛ يعلم أنه لا ينفع؛ ولا يضر؛ ولا يأتي بشيء مما ذكرنا؛ وعنى بهذا مشركي العرب. وقوله - عز وجل -: يحبونهم كحب الله ؛ أي: يسوون بين هذه الأوثان وبين الله - عز وجل - في المحبة؛ وقال بعض النحويين؛ يحبونهم كحبكم أنتم لله؛ وهذا قول ليس بشيء؛ ودليل نقضه قوله: والذين آمنوا أشد حبا لله ؛ والمعنى أن المخلصين الذين لا يشركون مع الله غيره هم المحبون حقا. [ ص: 238 ] وقوله - عز وجل -: ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب ؛ في هذا غير وجه؛ يجوز: " أن القوة لله... وأن الله " ؛ ويجوز: " أن القوة لله... وإن الله " .

                                                                                                                                                                                                                                        " ولو يرى الذين ظلموا " ؛ وتفتح " أن " ؛ مع " ترى " ؛ وتكسر؛ وكل ذلك قد قرئ به؛ قرأ الحسن: " ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب إن القوة... وإن الله " ؛ ونحن نفسر ما يجب أن يجرى عليه هذا؛ إن شاء الله؛ من قرأ: " أن القوة " ؛ فموضع " أن " : نصب؛ بقوله: " ولو يرى الذين ظلموا... أن القوة لله جميعا " ؛ وكذلك نصب " أن " ؛ الثانية؛ والمعنى: ولو يرى الذين ظلموا شدة عذاب الله وقوته؛ لعلموا مضرة اتخاذهم الأنداد؛ وقد جرى ذكر الأنداد في قوله: ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا ؛ ويجوز أن يكون العامل في " أن " ؛ الجواب؛ على ما جاء في التفسير؛ يروى في تفسير هذا أنه لو رأى الذين كانوا يشركون في الدنيا عذاب الآخرة لعلموا حين يرونه أن القوة لله جميعا؛ ففتح " أن " ؛ أجود؛ وأكثر في القراءة؛ وموضعها نصب في هاتين الجهتين؛ على ما وصفنا؛ ويجوز أن تكون " إن " ؛ مكسورة مستأنفة؛ فيكون جواب " ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب " : " لرأوا أمرا عظيما؛ لا تبلغ صفته " ; لأن جواب " لو " ؛ إنما يترك لعظيم الموصوف؛ نحو قوله - عز وجل -: ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى ؛ المعنى: لكان هذا القرآن أبلغ من كل ما وصف؛ وتكون " أن القوة لله جميعا " ؛ على الاستئناف؛ يخبر بقوله: " أن القوة لله جميعا " ؛ ويكون الجواب المتروك غير معلق ب " أن " ؛ ومن قرأ: " ولو ترى الذين ظلموا " ؛ فإن التاء خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ يراد به الناس؛ [ ص: 239 ] كما قال: ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير ؛ فهو بمنزلة: " ألم تعلموا؟ " ؛ وكذلك " ولو ترى الذين ظلموا " ؛ بمنزلة: " ولو ترون " ؛ وتكون " أن القوة لله جميعا " ؛ مستأنفة؛ كما وصفنا؛ ويكون الجواب - والله أعلم -: " لرأيتم أمرا عظيما؛ كما يقول: " لو رأيت فلانا والسياط تأخذه " ؛ فيستغنى عن الجواب؛ لأن المعنى معلوم؛ ويجوز فتح " أن " ؛ مع " ترى " ؛ فيكون: " لرأيتم أيها المخاطبون أن القوة لله جميعا " ؛ أو: " لرأيتم أن الأنداد لم تنفع؛ وإنما بلغت الغاية في الضرر؛ لأن القوة لله جميعا " ؛ و " جميعا " ؛ منصوبة على الحال؛ المعنى أن القوة ثابتة لله - عز وجل - في حال اجتماعها.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية