الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                [ ص: 420 ] البـاب الســادس والعشرون

                                                                                                                فـــي

                                                                                                                التقاليــــد

                                                                                                                تكتب في تقليد نيابة القضاء : الحمد لله الذي لا يذهل ولا يجور ، الباقي على كرور الدهور ومرور العصور ، كافل الشكور ، القائل في كتابه الحكيم : ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ، إن الله عزيز غفور ) ، أحمده حمد من أحله من العلم عظيما أثيرا ، وآتاه الحكمة ( ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة ترد على الحاكم فلا ترد ، وتغسل من المآثم بالماء والثلج والبرد ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالحكمة وفصل الخطاب ، وفضله بالعصمة من السبب والسباب ، وأنزل عليه : ( فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ، إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب ) ، صلى الله عليه وعلى آله الذين كانوا بما علموا يعملون ، وأصحابه الذين قضوا بالحق ، وبه كانوا يعدلون ، أما بعد : فإن صاحب الأحكام الشرعية ، والمتصدي لفصل الخصام بين الرعية ، بالطرق الشرعية المرعية ، عقود لا يصلح تقليدها إلا لمن درس علوم الشريعة وحصلها وجمع بين الأصول والفروع ووصلها ، وجدع أنف الأنفة من المطالب وفصلها ، ومحا عن نفسه [ ص: 421 ] النفيسة وضيعة الجهالة ووصلها ، وصرف إلى طلب النجاة مكنون الحياة وأصلها ، فعاف الوسادة لطلب السيادة ، وفارق العادة ; ليظفر بالعبادة ، وتقمص بزهد الصادقين ، وصدق الزاهدين ، وتحلى بتقوى الأولياء وولاية المتقين ، وقصد بعلمه إرشاد الخليفة إلى الحقيقة ، وساهم حتى استقاموا على الطريقة . ولما كنت أيها القاضي الفاضل النبيه ، فلان الدين أسعدك الله بالحكمة وأسعد بك ، وضاعف لك المثوبة على سعيك وتعبك ، ممن تزف هذه المحاسن إليه ، ولا يصح تنـزيلها إلا عليه ، استخرت الله تعالى واستنبتك عني في القضاء والحكم بالعمل الفلاني ، وجميع أعماله وبلاده ، وسائر كوره وبلاد ، فباشر ما قلدتك مباشرة الغيث للنبات ، وتول ما وليتك بالجد والإقبال وصون أموال الأيتام عن الضياع ، وزوج من أولى لها عند الشروط المعتبرة في الإبضاع ، واضبط الأحكام بشهادة الثقات العدول ، وميز بين المردود منهم والمقبول ، وراع أحوال النواب في البلاد ، وأرهم يقظة تردع المفسدين عن المفاسد ، والحازم من إذا ولى لم يطبق بين جفونه ، ويرسل العيون على عيونه ، وعليك بالتقوى تقوى بها على الفادح العظيم ، فقد قال سبحانه وتعالى : ( واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم ) وكتب من مجلس الحكم العزيز بالبلد الفلاني ، وما منها من البلاد الفلانية ، أدام الله أيام مالك ملكها وضاعف اقتداره ، وأعز أولياءه وأنصاره ، وذلك بتاريخ كذا ، وينبغي لك أن تصنع في كل تقليد ما يليق به من الألفاظ بسبب ذلك التقليد ، وما يليق لمتوليه وموليه وولايته .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية