الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            وعن بريدة قال احتبس جبريل عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال له ما حبسك ؟ قال إنا لا ندخل بيتا فيه كلب انفرد به أحمد ولمسلم من حديث ميمونة أن هذا هو السبب في الأمر بقتل الكلاب فزاد في آخره "فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بقتل الكلاب " .

                                                            التالي السابق


                                                            (الحديث الثالث) وعن بريدة قال احتبس جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له ما حبسك ؟ قال [ ص: 34 ] إنا لا ندخل بيتا فيه كلب انفرد به أحمد .

                                                            (فيه) فوائد:

                                                            (الأولى) في صحيح مسلم وغيره عن ميمونة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبح يوما واجما فقالت ميمونة يا رسول الله لقد استنكرت هيئتك منذ اليوم فقال إن جبريل كان وعدني أن يلقاني الليلة فلم يلقني أم والله ما أخلفني، فظل رسول الله صلى الله عليه وسلم يومه ذلك على ذلك ثم وقع في نفسه جرو كلب تحت فسطاط لنا فأمر به فأخرج ثم أخذ بيده ماء فنضح مكانه ؛ فلما أمسى لقيه جبريل عليه السلام فقال له قد كنت وعدتني أن تلقاني البارحة قال أجل ولكنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ فأمر بقتل الكلاب حتى إنه يأمر بقتل كلب الحائط الصغير ويترك كلب الحائط الكبير واستفدنا من هذه الرواية أن احتباس جبريل عليه السلام كان مع موعد وعده النبي صلى الله عليه وسلم وأن هذا سبب الأمر بقتل الكلاب وروى مسلم أيضا نحو هذه القصة من حديث عائشة رضي الله عنها لكن ليس فيه أن ذلك سبب الأمر بقتل الكلاب ورويت هذه القصة بنحو رواية عائشة من حديث جماعة من الصحابة.

                                                            (الثانية) حكى ابن عبد البر خلافا في أن الامتناع من دخول البيت الذي فيه كلب خاص بجبريل عليه السلام من بين سائر الملائكة عليهم السلام أو عام لجميعهم فعلى الأول يكون جمع الضمير في قوله إنا للتعظيم، وعلى الثاني للمشاركة وقال النووي ، هم ملائكة يطوفون بالرحمة والتنزيل والاستغفار.

                                                            وأما الحفظة فيدخلون في كل بيت ولا يفارقون بني آدم في حال ؛ لأنهم مأمورون بإحصاء أعمالهم، وكتابتها .



                                                            (الثالثة) قال النووي قال العلماء: سبب امتناعهم من بيت فيه كلب لكثرة أكله النجاسات ؛ ولأن بعضها يسمى شيطانا كما جاء به الحديث والملائكة ضد الشياطين ؛ ولقبح رائحة الكلب والملائكة تكره الرائحة [ ص: 35 ] القبيحة ؛ ولأنها منهي عن اتخاذها فعوقب متخذها بحرمانه دخول الملائكة بيته وصلاتها فيه واستغفارها له وتبريكها عليه في بيته ودفعها أذى الشيطان .



                                                            (الرابعة) قال الخطابي إنما لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب مما يحرم اقتناؤه من الكلاب فأما ما ليس بحرام من كلب الصيد والزرع والماشية فلا يمتنع دخول الملائكة بسببه. وأشار القاضي عياض إلى نحو ما قاله الخطابي وقال النووي : الأظهر أنه عام في كل كلب وأنهم يمتنعون من الجميع لإطلاق الأحاديث: ولأن الجرو الذي كان في بيت النبي صلى الله عليه وسلم تحت السرير كان له فيه عذر ظاهر فإنه لم يعلم به، ومع هذا امتنع جبريل عليه السلام من دخول البيت، وعلل بالجرو فلو كان العذر في وجود الكلب لا يمنعهم لم يمتنع جبريل انتهى.

                                                            وفيما ذكره النووي نظر، وقد عرفت أن مما نقل هو عن العلماء التعليل به أنها منهي عن اتخاذها، وذلك مفقود في المأذون في اتخاذه، ولا يصح استدلاله بذلك الجرو ؛ لأنه لم يكن مأذونا في اتخاذه بل هو منهي عنه إلا أن عدم العلم به أسقط الإثم فهو غير مكلف للغفلة عنه فلا يلزم من عدم دخولهم بيتا فيه كلب غير مأذون في اتخاذه إلا أنه لا إثم على أصحاب البيت ؛ لعدم علمهم به. امتناعهم من دخول بيت فيه كلب مأذون في اتخاذه ؛ لعدم التقصير مع الإذن، وما جاء نقصان أجر العمل إلا مع عدم الإذن في الاتخاذ فكذلك امتناع دخول الملائكة والله أعلم .




                                                            الخدمات العلمية