الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        862 [ ص: 276 ] ( 47 ) باب العمل في الهدي إذا عطب أو ضل

                                                                                                                        820 - مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه : أن صاحب هدي [ ص: 277 ] [ ص: 278 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : يا رسول الله كيف أصنع بما عطب من الهدي ؟ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " كل بدنة عطبت من الهدي فانحرها ، ثم ألق قلادتها في دمها ، ثم خل بينها وبين الناس يأكلونها " .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        17632 - قال أبو عمر : روي هذا الحديث مسندا في غير الموطأ " .

                                                                                                                        17633 - حدثناه محمد بن عبد الله بن حكم ، قال : حدثنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا أبو خليفة ، قال : حدثنا محمد بن كثير ، قال : حدثنا سفيان ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن ناجية الأسلمي : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث معه بهدي ، قال : " إن عطب فانحره ، ثم اصبغ نعله في دمه ، ثم خل بينه وبين الناس .

                                                                                                                        [ ص: 279 ] 17634 - وهكذا رواه جماعة عن هشام بن عروة ، منهم : ابن عيينة ، ووهب ، لم يزيدوا فيه على قوله : " وخل بينها وبين الناس يأكلونها " .

                                                                                                                        17635 - وروى ابن عباس هذا الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فزاد فيه : " لا تأكل منها أنت ولا أهل رفقتك " .

                                                                                                                        17636 - حدثناه سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق ، قال : حدثنا سليمان بن حرب ، قال : حدثنا ابن زيد ، قال : حدثنا أبو التياح ، عن موسى بن سلمة ، قال : خرجت أنا وسنان بن سلمة معتمرين . قال : وانطلق سنان معه ببدنة يسوقها . فأزحفت عليه بالطريق ، فعيي بشأنها . إن هي أبدعت كيف يأتي بها ؟ فقال : لئن قدمت البلد لأستحفين عن ذلك . قال : فأضحيت . لما نزلنا البطحاء قال : انطلق إلى ابن عباس نتحدث إليه . قال : فذكر له شأن بدنته . فقال : على الخبير سقطت ، بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بست عشرة بدنة مع رجل وأمره فيها . قال : فمضى ثم رجع . فقال : يا رسول الله ! كيف أصنع بما أبدع علي منها ؟ قال " انحرها . ثم اصبغ نعليها في دمها . ثم اجعله على صفحتها . ولا تأكل منها أنت ولا أحد من أهل رفقتك .

                                                                                                                        17637 - ورواه شعبة ، وسعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة عن سنان بن سلمة عن ابن عباس : أن ذؤيبا أبا قبيصة الخزاعي حدثه أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : كان يبعث [ ص: 280 ] معه بالبدن ، ثم يقول : " إذا عطب منها شيء وخشيت عليه موتا فانحره ، ثم اغمس نعله في دمه ، ثم اضرب به صفحته ، ولا تطعم منه ولا أحد من أهل رفقتك " .

                                                                                                                        17638 - قال أبو عمر : لا يوجد هذا اللفظ إلا في حديث ابن عباس ، قوله : " ولا أحد من أهل رفقتك " وأكثر الفقهاء على خلافه . ومن جهة النظر ، فإن أهل رفقته وغيرهم في ذلك سواء بدليل قوله في حديث ناجية الأسلمي : " خل بينها وبين الناس فيأكلونها " ، لم يخص أهل رفقته من غيرهم .

                                                                                                                        17639 - ولا أعلم أحدا قال بهذه الزيادة إلا أبا ثور وداود ; قالا : لا يأكل منها هو ولا أحد من أهل رفقته .

                                                                                                                        17640 - قال أبو عمر : من قال بهذا قال : هي زيادة حافظ يجب العمل بها .

                                                                                                                        وكأنه هو لولا أحد من أهل رفقته في حكمه ; لما ندب إليه الرفيق من مواساة رفيقه فزاده ، وإلا فالقول ما قاله الجمهور لظاهر حديث ناجية " خل بينها وبين الناس " ، وهذا على عمومه .

                                                                                                                        17641 - ولا خلاف أنه يصنع بالهدي التطوع إذا عطب قبل محله ما في حديث ناجية ، وحديث ابن عباس من غمس نعله في دمه وضربه به صفحته [ ص: 281 ] والتخلية بينه وبين الناس ، وإنما ذلك - والله أعلم - ليكون علامة : أنها مباح أكلها ، وأنها لله فجعلها خارجة عن ملك صاحبها .

                                                                                                                        17642 - وأما قوله في حديث مالك : ( كيف أصنع بما عطب من الهدي ؟ ) فإن محمل هذا عند جماعة العلماء على الهدي التطوع ; لأنه هدي بعث به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما في حديث ناجية وابن عباس ، فهو هدي تطوع لا يجوز لأحد ساقه أكل شيء منه ، أقامه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقام نفسه بما يلتزم محله ليأكله قبل وجوب أكله قطعا للذريعة في ذلك .




                                                                                                                        الخدمات العلمية