الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      عمر بن هارون ( ت ، ق )

                                                                                      ابن يزيد بن جابر بن سلمة ، الإمام عالم خراسان أبو حفص الثقفي ، مولاهم البلخي المقرئ المحدث .

                                                                                      ولد سنة بضع وعشرين ومائة وارتحل وصنف ، وجمع . [ ص: 268 ]

                                                                                      وحدث عن : سلمة بن وردان ، وعيسى بن أبي عيسى الحناط ، وغيرهما من صغار التابعين ، وابن جريج ولازمه سنوات ، وسعيد بن أبي عروبة ، وجعفر الصادق ، وأسامة بن زيد الليثي ، وإسماعيل بن رافع المدني ، وحريز بن عثمان ، وصفوان بن عمرو ، وعثمان بن الأسود ، ومعروف بن خربوذ ، وقرة بن خالد ، ويونس بن يزيد الأيلي ، وأبي بكر بن أبي مريم ، والأوزاعي ، وأيمن بن نابل ، وثور بن يزيد ، وحمزة الزيات ، وتلا عليه ، وهمام بن يحيى ، وشعبة ، والثوري ، وخلق كثير .

                                                                                      وعنه : هشام بن عبيد الله الرازي ، وعفان بن مسلم . وأحمد بن حنبل ، وجمعة بن عبد الله البلخي ، وعمرو بن رافع القزويني ، ومحمد بن أبي بكر المقدمي ، ومحمد بن حميد ، وهناد بن السري ، وقتيبة بن سعيد ، وأبو الطاهر بن السرح ، وسريج بن يونس ، وأبو سعيد الأشج ، وعمرو الناقد ، ونصر بن علي ، وأحمد بن ناصح المصيصي ، والجارود بن معاذ البلخي ، وأبو داود المصاحفي البلخي سليمان بن سلم ، وعلي بن الحسن الذهلي ، وخلق كثير ، إلا أنه على سعة علمه سيء الحفظ ، فلم يروه حجة ولا عمدة .

                                                                                      قال البخاري : تكلم فيه يحيى بن معين ، وقال ابن سعد : كتب الناس عنه كثيرا ، وتركوا حديثه .

                                                                                      روى أحمد بن علي الأبار ، عن أبي غسان زنيج قال : قال عمر بن هارون : ألقيت من حديثي سبعين ألفا : لأبي جزء عشرين ألفا ، ولعثمان البري كذا وكذا ، فقال : يا أبا غسان ما كان حاله ؟ قال : قال بهز : أرى [ ص: 269 ] يحيى بن سعيد حسده ، فقال : أكثر عن ابن جريج . من لزم رجلا اثني عشر سنة ، لا يريد أن يكثر عنه ؟ ! قال : وبلغني أن أمه كانت تعينه على الكتاب .

                                                                                      قلت : ما أعتقد أنه أقام بمكة هذا إلا أن يكون نحو سنة .

                                                                                      قال الخطيب : وذكر مسلم بن عبد الرحمن البلخي أن ابن جريج تزوج أم عمر بن هارون فمن هنالك أكثر السماع منه .

                                                                                      وقال ابن عدي : يقال : إنه لقي ابن جريج ، وكان حسن الوجه ، فسأله ابن جريج : ألك أخت ؟ قال : نعم ، فتزوج بأخته ، فقال : لعل هذا الحسن يكون في أخته كما هو في أخيها ، فتفرد عن ابن جريج ، وروى عنه أشياء لم يروها غيره .

                                                                                      قال ابن أبي داود ، عن سعيد بن زنجل : سمعت صاحبا لنا يقال له : بور بن الفضل سمعت أبا عاصم ذكر عمر بن هارون ، فقال : كان عندنا أحسن أخذا من ابن المبارك .

                                                                                      وقال أحمد بن سيار : كان كثير السماع ، روى عنه عفان وقتيبة وغير واحد ، ويقال : إن مرجئة بلخ كانوا يقعون فيه ، وكان أبو رجاء يعني قتيبة - يطريه ويوثقه .

                                                                                      وذكر عن وكيع أنه قال : عمر بن هارون مر بنا ، وبات عندنا ، وكان [ ص: 270 ] يزن بالحفظ ، وسمعت أبا رجاء يقول : كان عمر بن هارون شديدا على المرجئة ، ويذكر مساوئهم وبلاياهم ، فكانت بينهم عداوة لذلك ، قال : وكان من أعلم الناس بالقراءات ، وكان القراء يقرءون عليه ، ويختلفون إليه في حروف القرآن وسمعت أبا رجاء يقول : سألت عبد الرحمن بن مهدي ، فقلت : إن عمر بن هارون قد أكثرنا عنه ، وبلغنا أنك تذكره ، قال : أعوذ بالله ، ما قلت فيه إلا خيرا ، قلت : بلغنا أنك قلت : روى عن فلان ، ولم يسمع منه ؟ قال : يا سبحان الله ! ما قلت أنا ذا قط ، ولو روى ، ما كان عندنا بمتهم .

                                                                                      علي بن الحسن الهسنجاني عن يحيى بن المغيرة الرازي قال : سمعت ابن المبارك يغمز عمر بن هارون في سماعه من جعفر بن محمد ، وكان عمر يروي عنه نحو ستين حديثا .

                                                                                      وقال علي بن الحسين بن الجنيد : سمعت يحيى بن معين يقول : عمر بن هارون كذاب ، قدم مكة وقد مات جعفر بن محمد ، فحدث عنه .

                                                                                      وقال أبو حاتم : تكلم فيه ابن المبارك ، فذهب حديثه .

                                                                                      قال عبد الرحمن بن أبي حاتم : قلت لأبي : إن أبا سعيد الأشج حدثنا عن عمر بن هارون ، فقال : هو ضعيف الحديث ، بخسه ابن المبارك [ ص: 271 ] بخسة ، فقال : يروي عن جعفر بن محمد ، وقد قدمت قبل قدومه ، فكان جعفر قد توفي .

                                                                                      قلت : هذا منقطع عن ابن المبارك ، ولا يصح ، فقد قدم ابن المبارك ، وحج قبل موت جعفر بسنوات .

                                                                                      العقيلي : حدثنا محمد بن زكريا البلخي ، حدثنا قتيبة ، قلت لجرير : حدثنا عمر بن هارون عن القاسم بن مبرور ، قال : نزل جبريل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : إن كاتبك هذا أمين - يعني معاوية - فقال لي جرير : اذهب إليه ، فقل له : كذبت .

                                                                                      قال المروذي : سئل أبو عبد الله عن عمر بن هارون ، فقال : ما أقدر أن أتعلق عليه بشيء ، كتبت عنه حديثا كثيرا ، فقيل له : قد كانت له قصة مع ابن مهدي . قال : بلغني أنه كان يحمل عليه ، فقال له أبو جعفر : سمعت من يحكي عن ابن مهدي أنه قدم عليهم عمر بن هارون البصرة ، وهو شاب ، فذاكره عبد الرحمن ، فكتب عنه ثلاثة أحاديث : منها حديث عن يحيى بن أبي عمرو السيباني ، عن عمرو بن عبد الله الحضرمي ، عن عبد الله بن عمرو في شرب العصير . ومنها عن عبد الملك ، عن عطاء ، في الحفار ينسى الفأس في القبر . وحديث آخر ، فلما كان بعد زمان ، قدم فأتى رجل عبد الرحمن ، فقال : إنك كتبت عن هذا أشياء ، فأعطاه الرقعة ، فذهب إليه ، فسأله عن حديث يحيى بن أبي عمرو ، فقال : لم أسمع منه شيئا ، إنما كان هذا في الحداثة ، وسأله عن حديث [ ص: 272 ] عبد الملك ، فقال : لم أسمع منه ، إنما حدثنيه فلان عنه ، فأتى الرجل ابن مهدي ، فأخبره ، فنال منه ، وتكلم . فقال أبو عبد الله : كان أكثر ما يحدثنا عن ابن جريج .

                                                                                      وروى عن الأوزاعي ، قيل له : فتروي عنه ؟ فقال : قد كنت رويت عنه شيئا .

                                                                                      وقال أبو طالب : سمعت أحمد يقول : عمر بن هارون لا أروي عنه ، وقد أكثرت عنه ، ولكن كان ابن مهدي يقول : لم يكن له قيمة عندي ، وبلغني أنه قال : حدثني بأحاديث ، فلما قدم مرة أخرى ، حدثني بها عن إسماعيل بن عياش عن أولئك ، فتركت حديثه .

                                                                                      وقال علي بن الحسين بن حبان : وجدت بخط جدي : قال أبو زكريا : عمر بن هارون البلخي كذاب خبيث ليس حديثه بشيء ، قد كتبت عنه ، وبت على بابه بباب الكوفة ، وذهبنا معه إلى النهروان ، ثم تبين لنا أمره بعد ذلك ، فحرقت حديثه كله ، ما عندي عنه كلمة إلا أحاديث على ظهر دفتر ، خرقتها كلها ، قلت لأبي زكريا : ما تبين لكم من أمره ؟ قال : قال عبد الرحمن بن مهدي - ولم أسمعه منه ، ولكن هذا مشهور عن عبد الرحمن - قال : قدم علينا ، فحدثنا عن جعفر بن محمد ، فنظرنا إلى مولده ، وإلى خروجه إلى مكة ، فإذا جعفر قد مات قبل خروجه .

                                                                                      وروى عباس وأحمد بن زهير ، عن يحيى : ليس بشيء .

                                                                                      وروى ابن محرز والغلابي عن يحيى : ليس بثقة . وعن يحيى [ ص: 273 ] أيضا : ضعيف وعنه : كان يكذب .

                                                                                      وسئل عنه علي بن المديني ، فضعفه جدا .

                                                                                      وقال أبو زرعة : سمعت إبراهيم بن موسى ، وقيل له : لم لا تحدث عن عمر بن هارون ؟ فقال : الناس تركوا حديثه .

                                                                                      وعن إبراهيم بن موسى ، قال : كتبت عنه حزمة ، ولا أحدث عنه بشيء .

                                                                                      وقال أبو إسحاق الجوزجاني : لم يقنع الناس بحديثه .

                                                                                      وقال صالح جزرة والنسائي : متروك الحديث .

                                                                                      وقال زكريا الساجي : فيه ضعف .

                                                                                      وقال أبو علي الحافظ : متروك .

                                                                                      وقال الدارقطني : ضعيف .

                                                                                      وقال أبو نعيم : لا شيء ، حدث عن ابن جريج ، والأوزاعي ، وشعبة ، بالمناكير .

                                                                                      وقال أبو عيسى في " جامعه " : سمعت محمدا يقول : مقارب الحديث ، لا أعرف له حديثا ليس له أصل إلا هذا ، رواه الترمذي عن أسامة بن زيد ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأخذ من لحيته من عرضها ومن طولها قال الترمذي : لا نعرفه إلا من حديث عمر ، ورأيت محمدا حسن الرأي فيه . [ ص: 274 ]

                                                                                      وقال أبو حاتم بن حبان : كان ممن يروي عن الثقات المعضلات ، ويدعي شيوخا لم يرهم . قال : وكان ابن مهدي حسن الرأي فيه .

                                                                                      قلت : هذه رواية قتيبة عن ابن مهدي ، وقد روى غير واحد عنه أنه اتهمه .

                                                                                      قال ابن حبان : قال محمد بن عمرو السويقي : شهدت عمر بن هارون ببغداد ، وهو يحدثهم ، فسئل عن حديث لابن جريج ، رواه عنه الثوري لم يشارك فيه ، فحدثهم به ، فرأيتهم مزقوا عليه الكتب . ثم قال ابن حبان : كان صاحب سنة وفضل وسخاء ، وكان أهل بلده يبغضونه لتعصبه في السنة وذبه عنها ، ولكن كان شأنه في الحديث ما وصفت والمناكير في حديثه تدل على صحة ما قاله يحيى بن معين فيه . قال : وقد حسن القول فيه جماعة من شيوخنا ، كان يصلهم في كل سنة بصلات كبيرة من الدراهم والثياب ، ويبعثها إليهم من بلخ إلى بغداد في كل سنة . وقد روى عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن عبد الله بن أبي قتادة ، عن أبيه ، قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرتاد لبوله كما يرتاد أحدكم لصلاته .

                                                                                      قلت : ممن قوى أمره ابن خزيمة ، فروى له في " المختصر " حديثا في البسملة . [ ص: 275 ]

                                                                                      قال علي بن الفضل بن طاهر البلخي : مات عمر ببلخ يوم الجمعة أول رمضان سنة أربع وتسعين ومائة وهو ابن ست وستين سنة ، وكان يخضب ، هكذا أخبرني محمد بن محمد بن عبد العزيز ، عن مسلم بن عبد الرحمن السلمي ، ثم قال : ورأيت في كتاب أنه عاش ثمانين سنة .

                                                                                      أخبرنا أبو القاسم عبد الصمد بن عبد الكريم بن عبد الصمد الأنصاري سنة ثلاث وتسعين ، أخبرنا علي بن باسويه المقرئ سنة أربع وعشرين وستمائة ، أخبرنا أبو علي الحسن بن مسلم الزاهد ، أخبرنا إبراهيم بن محمد الكرخي ، أخبرنا إسماعيل بن مسعدة ، أخبرنا حمزة بن يوسف الحافظ ، أخبرنا عبد الله بن عدي ، حدثنا بهلول بن إسحاق ، حدثنا أحمد بن حاتم الطويل ، حدثنا عمر بن هارون ، عن ثور ، عن يزيد بن شريح ، [ ص: 276 ] عن جبير بن نفير ، عن النواس بن سمعان ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثا ، هو لك مصدق ، وأنت له كاذب يزيد وثق .

                                                                                      قرأت على عيسى بن يحيى ، أخبرنا منصور بن سند ، أخبرنا أبو طاهر الحافظ ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد الحافظ ، أخبرنا عمر بن عبد الله بن الهيثم الواعظ سنة سبع عشرة وأربعمائة ، حدثنا أبو القاسم الطبراني ، حدثنا عبد الوارث بن إبراهيم ، حدثنا عمار بن هارون ، حدثنا عمر بن هارون البلخي ، حدثنا ثور بن يزيد ، عن مكحول ، عن النواس بن سمعان الكلابي ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اللهم بارك لأمتي في بكورها .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية