الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما ختم الخطاب بالإشارة بقوله : " أهواءهم " إلى علمهم بحقية هذا التحويل تلويحا كما فتحه بالإعلام به تصريحا كر على تأكيد الإعلام بما هم عليه في أمرها من التحقق إشارة إلى ما تبطنوه من العناد الموجب للتمادي في الفساد فقال مضمرا له على وجه يصلح أن يكون للنبي صلى الله عليه وسلم معظما لهذه المعرفة بإسناد الإيتاء إليه سبحانه : الذين آتيناهم أي : بما لنا من العظمة التي هم بها عارفون الكتاب يعرفونه أي : التحويل المتضمن لزيادة تحققهم لصدق الرسول صلى الله عليه وسلم وكمال علمهم به كما يعرفون أبناءهم لا يشكون في حقية ذلك بوجه لظهور دلائله عندهم ، لأنهم يعرفون الرسول صلى الله عليه وسلم بجميع نعوته [معرفة ] لا يشكون فيها لكونها عن الله الذي لا خلف في قوله ، فبذلك صاروا يعرفون صحة هذا التحويل هذه المعرفة ، وذلك كما أنهم لا يشكون في شيء مما تقع به المعرفة لأبنائهم لشدة ملابستهم لهم ; والحاصل أن معرفتهم بنبوته تزيدهم في المعرفة بحقية التحويل [بصيرة لأنه من نعته ، ومعرفتهم بأمر التحويل ] يثبتهم في حقية نبوته لكونه مما ثبت منها ، ولذلك قال الحرالي : في إنبائه تحققهم بعيان ما ذكر لهم من أمره ، لأن [ ص: 227 ] العارف بالشيء هو الذي كان له به إدراك ظاهر بأدلة ثم أنكره لاشتباهه عليه ثم عرفه لتحقق ذكره لما تقدم من ظهوره في إدراكه ، فلذلك معنى المعرفة لتعلقها بالحس وعيان القلب أتم من العلم المأخوذ عن علم بالفكر ; وإنما لم تجز في أوصاف الحق لما في معناها من شرط النكرة ، ولذلك يقال المعرفة حد بين علمين : علم على تشهد الأشياء ببواديها ، وعلم دون يستدل على الأشياء بأعلامها ; وفيه أي التشبيه بالأبناء إنباء باتصال معرفتهم به كيانا كيانا إلى ظهوره ، ولو لم يكن شاهده عليهم إلا ارتحالهم من بلادهم من الشام إلى محل الشدائد من أرض الحجاز لارتقابه وانتظاره ، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به وأجرى المثل بذكر الأبناء لاشتداد عناية الوالد بابنه لاعتلاقه بفؤاده ، ففيه إنباء بشدة اعتلاقهم به قبل كونه وإن فريقا منهم أي : أهل الكتاب ليكتمون الحق أي : يخفونه ولا يعلنونه .

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان لا يلزم من ذلك علمهم به ولا يلزم من علمهم به استحضاره عند الكتمان قال : وهم يعلمون أي : إنه حق وأنهم آثمون بكتمانه ، فجعلهم أصنافا : صنفا عرفوه فاتبعوه ، وصنفا عرفوه فأنكروه كما في إفهامه ، [ ص: 228 ] وفريقا علموه فكتموه ; وفي تخصيص هذا الفريق بالعلم إشعار بفرقان ما بين حال من يعرف وحال من يعلم ، فلذلك كانوا ثلاثة أصناف : عارف ثابت ، وعارف منكر هو أردؤهم ، وعالم كاتم لاحق به ; وفي مثال يكتمون ويعلمون إشعار بتماديهم في العلم وتماديهم في الكتمان .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية