الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما المجنون إذا أفاق ، فله حالان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يفيق بعد مضي زمان رمضان ، فمذهب الشافعي وأبي حنيفة وسائر الفقهاء لا يلزمه القضاء .

                                                                                                                                            وقال أبو العباس بن سريج عليه قضاء جميع الشهر كالمغمى عليه ، وهذا مذهب له وليس بصحيح ، لقوله صلى الله عليه وسلم " رفع القلم عن ثلاث وعن المجنون حتى يفيق " ويفارق الإغماء لأن الإغماء مرض يحدث مثله بالأنبياء والجنون نقص يزول معه التكليف ، ولا يجوز حدوث مثله بالأنبياء والحال الثانية ، أن يفيق في خلال شهر رمضان فعليه أن يستأنف صيام ما بقي ، ولا يلزمه قضاء ما مضى فإن أفاق ليلا واستأنف الصيام من الغد وإن أفاق نهارا فهل يلزمه قضاء يومه ، أم لا ؟ على وجهين مضيا ، فأما قضاء ما مضى فلا يلزمه ، وقال أبو حنيفة : إذا أفاق في خلال الشهر فعليه قضاء ما مضى منه ؛ تعلقا بقوله تعالى : فمن شهد منكم الشهر فليصمه [ البقرة : 185 ] قال : ومعلوم أنه أراد من شهد جزءا منه فليصمه ؛ لأنه لو أراد من شهد جميعه لوقع الصيام في شوال ، وإذا كان كذلك فهذا المجنون ، قد شهد جزءا من الشهر ، فوجب أن يلزمه صيام جميعه قال : ولأنه معنى لا ينافي الصوم ، فوجب أن لا يسقط القضاء كالإغماء قال فإن منعتم من تسليم الوصف دللنا عليه بأنه معنى يزيل العقل فوجب [ ص: 464 ] أن لا ينافي الصوم كالإغماء ، والدلالة على فساد قوله ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " رفع القلم عن ثلاث " ذكر فيها المجنون حتى يفيق ، ولأنه معنى لو دام جميع الشهر أسقط القضاء فوجب إذا اتصل ببعض الشهر أن يسقط القضاء ، أصله الصغر وعكسه المرض ، ولأنه زمان مر عليه في الجنون ، فوجب أن لا يلزمه القضاء ، أصله إذا جن جميع الشهر ، فأما الآية فالمراد بها غير ما أدركه ، وإنما أراد بها من أدرك جزءا من الشهر فليصم ما ذكر ، فإن أدرك جميع الشهر لزمه صيام جميعه ، وإن أدرك بعضه لزمه صيام بعضه ، وأما قولهم : إنه معنى لا ينافي الصوم ، فلا نسلم لهم وينازعوا في معنى الأصل المردود إليه ، على أنه لو سلم لهم أنه لا ينافي الصوم لم يدل على إيجاب القضاء ، كالصغر لا ينافي الصوم ولا يوجب القضاء .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية