الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر فدعا ربه أني مغلوب فانتصر ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر وحملناه على ذات ألواح ودسر تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر ولقد تركناها آية فهل من مدكر فكيف كان [ ص: 412 ] عذابي ونذر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر

                                                                                                                                                                                                                                        ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر فيه وجهان:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: أن المنهمر الكثير ، قاله السدي ، قال الشاعر


                                                                                                                                                                                                                                        أعيني جودا بالدموع الهوامر على خير باد من معد وحاضر

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أنه المنصب المتدفق ، قاله المبرد، ومنه قول امرئ القيس

                                                                                                                                                                                                                                        راح تمرية الصبا ثم انتحى     فيه شؤبوب جنوب منهمر

                                                                                                                                                                                                                                        وفي فتح أبواب السماء قولان:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: أنه فتح رتاجها وسعة مسالكها.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أنها المجرة وهي شرج السماء ومنها فتحت بماء منهمر ، قاله علي. فالتقى الماء على أمر قد قدر فيه وجهان:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: فالتقى ماء السماء وماء الأرض على مقدار لم يزد أحدهما على الآخر ، حكاه ابن قتيبة.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: قدر بمعنى قضي عليهم ، قاله قتادة ، وقدر لهم إذا كفروا أن يغرقوا. وحملناه على ذات ألواح ودسر أي السفينة ، وفي الدسر أربعة أقاويل:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها: المعاريض التي يشد بها عرض السفينة، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أنها المسامير دسرت بها السفينة، أي شدت، قاله ابن جبير وابن زيد.

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: صدر السفينة الذي يضرب الموج ، قاله عكرمة ، لأنها تدسر الماء بصدرها، أي تدفعه.

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع: أنها طرفاها، وأصلها، قاله الضحاك . تجري بأعيننا فيه أربعة أوجه:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها: بمرأى منا. [ ص: 413 ] الثاني: بأمرنا، قاله الضحاك .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: بأعين أوليائنا من الملائكة الموكلين بحفظها.

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع: بأعين الماء التي أتبعناها في قوله وفجرنا الأرض عيونا ، وقيل: إنها تجري بين ماء الأرض والسماء، وقد كان غطاها عن أمر الله سبحانه. جزاء لمن كان كفر فيه ثلاثة أوجه:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها: لكفرهم بالله، قاله مجاهد ، وابن زيد.

                                                                                                                                                                                                                                        والثاني: جزاء لتكذيبهم، قاله السدي .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: مكافأة لنوح حين كفره قومه أن حمل ذات ألواح ودسر. ولقد تركناها آية فيها وجهان:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها: الغرق.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: السفينة روى سعيد عن قتادة أن الله أبقاها بباقردي من أرض الجزيرة عبرة وآية حتى نظرت إليها أوائل هذه الأمة.

                                                                                                                                                                                                                                        وفي قوله فهل من مدكر ثلاثة أقاويل:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها: يعني فهل من متذكر، قاله ابن زيد.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: فهل من طالب خير فيعان عليه ، قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: فهل من مزدجر عن معاصي الله ، قاله محمد بن كعب. ولقد يسرنا القرآن للذكر فيه ثلاثة أوجه:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها: معناه سهلنا تلاوته على أهل كل لسان، وهذا أحد معجزاته، لأن الأعجمي قد يقرأه ويتلوه كالعربي.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: سهلنا علم ما فيه واستنباط معانيه، قاله مقاتل.

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: هونا حفظه فأيسر كتاب يحفظ هو كتاب الله، قاله الفراء.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية