الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ص: 846 ] والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن من معروف والله عزيز حكيم ( 240 وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون

                                                          * * *

                                                          توسطت آيات الصلاة بين الآيات التي تبين ما للمعتدات وما عليهن ، وذلك ليتوسط التهذيب النفسي التعامل الاجتماعي ، وليستبين المؤمن أن التقوى أساس الصلات التي تربط آحاد الأسرة ، وأن التقوى لازمة لتكون روح الاتصال ، وميزان الاعتدال عند قيام الحياة الزوجية وعند انقطاعها .

                                                          وقد بينت الآيات السابقة ما للمطلقة من حقوق أوجبها العقد نفسه ; فنصف المهر أو المتعة عند الطلاق قبل المسيس وقبل تسمية المهر أمران أوجبهما العقد نفسه ; لأن العقد الصحيح يوجب مهرا على أي صورة كان المهر .

                                                          وهاتان الآيتان اللتان سنتكلم في معناهما تبينان ما يجب ليكون الانتهاء من غير قطيعة ، ولتكون المودة موصولة بعد انتهاء عقدة النكاح ; والوجوب فيهما لا يشتق من ذات العقد ، ولكنه يترتب على انتهاء العقد ، وتوجبه الأخلاق الكريمة . والآية الأولى تبين ذلك النوع من الحقوق الذي يجب للمتوفى عنها زوجها ، والثانية تبين ما يجب للمطلقة على أنه أثر للطلاق نفسه ، لا على أنه من مقتضى عقد الزواج ، كنصف المهر ، أو المتعة السابقة .

                                                          والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج والمعنى الجملي للآية الكريمة - فيما يظهر ويبدو بادي الرأي - أن الذين [ ص: 847 ] يتوفون ويذرون أي يتركون أزواجا ، والمراد الزوجات ; لأن كلمة الزوج تطلق على الذكر والأنثى - فرض الله وصية لهؤلاء الزوجات متاعا أي انتفاعا مستمرا إلى نهاية الحول ، أي حتى يحول الزمن ويجيء الوقت الذي مات زوجها فيه غير إخراج أي ينتفعن بالإقامة في مسكنهن الذي كن يسكن فيه في حياة أزواجهن من غير إخراج منه ; ويصح أن يقال غير مخرجات منه ، فيكون المصدر على معنى اسم المفعول ; والمؤدى واحد .

                                                          وهنا بعض مباحث لفظية نشير إليها :

                                                          أولها : كلمة " وصية " فيها قراءتان مشهورتان ; إحداهما بالفتح ، والثانية بالضم ; وعلى قراءة الفتح يكون تقدير القول : كتب الله وصية متاعا إلى الحول غير إخراج . وعلى قراءة الضم يكون تقدير القول : عليهم وصية لأزواجهم حال كون هذه الوصية متاعا إلى الحول غير إخراج ، أو لأجل الانتفاع إلى الحول غير إخراج .

                                                          ثانيها : إنه عبر بحول بدل سنة ; للدلالة على التحول حتى تعود الأيام التي كانت فيها الوفاة ، ولو قيل إلى السنة مثلا لاحتمل أن ينتهي الانتفاع بالسكن بانتهاء السنة التي حصلت فيها الوفاة ، ولو لم يحل الحول ، فكان التعبير السامي بالحول نصا في أن يمر عام كامل من وقت الوفاة .

                                                          ثالثها : قوله " غير إخراج " فالمعنى : غير مخرجات ، أو يبقين في مسكنهن من غير إخراج من ورثة المتوفى لهن ; والتعبير بالمصدر في هذا المقام هو الأصل ، وهو المغزى والمرمى ; لأن الوصية هي عدم الإخراج ; فالوصية ألا يخرجن ; ولذلك كان التعبير بالمصدر هو الأصل ; وقوله " غير إخراج " صفة لمتاعا ، ومتاعا بدل أو عطف بيان لكلمة " وصية " على قراءة النصب ، وحال على قراءة الرفع ، أو تمييز .

                                                          رابعها : إن الله سبحانه وتعالى عبر عن حق الانتفاع بالسكنى سنة بعد الوفاة بأنه وصية ، وبأنه متاع ; أما التعبير بأنه وصية ، فلأنه حق يثبت بعد وفاة الزوج في ماله لا على أنه ميراث ، بل على أنه وصية أوجبها الله سبحانه وتعالى بموجب الفرقة بالوفاة ; فهو يثبت من غير أن يكون له أثر في قدر ميراثها في تركة زوجها ; [ ص: 848 ] وأما التعبير عنه بمتاع ، فلأنه في مقابل ما للمطلقات من متاع في الآية الكريمة الآتية

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية