الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1456 حديث ثالث وأربعون لهشام بن عروة

مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من أحيا أرضا ميتة فهي له ، وليس لعرق ظالم حق .

التالي السابق


وهذا الحديث مرسل عند جماعة الرواة ، عن مالك لا يختلفون في ذلك ، واختلف فيه على هشام فروته عنه طائفة ، عن أبيه مرسلا ، كما رواه مالك وهو أصح ما قيل فيه - إن شاء الله - وروته طائفة عن هشام ، عن أبيه ، عن سعيد بن زيد ، وروته طائفة عن هشام ، عن وهب بن كيسان ، عن جابر ، وروته طائفة عن هشام ، عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع ، عن جابر ، وبعضهم يقول فيه عن هشام ، عن عبيد الله بن أبي رافع ، عن جابر ، وفيه اختلاف كثير .

ذكر عبد الرزاق ، عن معمر ، عن هشام بن عروة قال : خاصم رجل إلى عمر بن عبد العزيز في أرض حازها ، فقال : عمر : من أحيا من ميت الأرض شيئا فهو له ، فقال له عروة : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من أحيا شيئا من ميت الأرض فهو له ، وليس لعرق ظالم حق .

[ ص: 281 ] والعرق الظالم : أن ينطلق الرجل إلى أرض غيره فيغرسها .

وحدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا أيوب ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن سعيد بن زيد ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من أحيا أرضا ميتة فهي له ، وليس لعرق ظالم حق .

ولعروة ، عن سعيد بن زيد حديث آخر أيضا في أبيه زيد بن عمرو بن نفيل أنه يبعث أمة وحده .

حدثنا محمد بن إبراهيم وأحمد بن قاسم قالا : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا محمد بن يحيى بن سلمان المروزي قال : حدثنا خلف بن هشام ، عن حماد بن زيد ، عن هشام بن عروة ، عن وهب بن كيسان ، عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من أحيا أرضا ميتة فهي له ، وما أكلت العافية فهو له صدقة .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا عبد الله بن عمرو بن محمد العثماني بالمدينة قال : حدثني أبي قال : حدثنا عبد الله بن نافع بن ثابت الزبيري ، ، عن عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة ، ، عن هشام بن عروة ، عن عبيد الله بن أبي رافع الأنصاري ، أنه أخبره ، عن جابر بن عبد الله ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من أحيا أرضا ميتة فله فيها أجر ، وما أكلت العافية منها فهو له صدقة .

[ ص: 282 ] وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا وكيع ، عن هشام بن عروة ، عن أبي رافع ، عن جابر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من أحيا أرضا ميتة فله فيها أجر ، وما أكلت العافية كان له فيها صدقة .

قال أبو عمر : ليس في حديث جابر هذا " فهي له " ، وإنما فيه : " فله فيها أجر " ، وهما عندي حديثان عند هشام ، أحدهما عن أبيه ، والآخر عن عبيد الله بن أبي رافع ، ولفظهما مختلف ، فهما حديثان ، والله أعلم .

وأما لفظ حديث سعيد بن زيد ، فعلى لفظ حديث مالك ، وهو لهشام ، عن أبيه ، وقد روى هذا الخبر يحيى بن عروة ، عن أبيه - مثله ، عن رجل - لم يسمه من الصحابة ، فصار الحديث مسندا من هذه الرواية أيضا ، وفيه زيادة هي تفسير لمعنى الحديث إن شاء الله .

أخبرنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا عبدة ، عن محمد بن إسحاق ، عن يحيى بن عروة بن الزبير ، عن أبيه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من أحيا أرضا ميتة فهي له ، وليس لعرق ظالم حق .

قال عروة : ولقد حدثني الذي حدثني هذا الحديث أن رجلين اختصما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غرس أحدهما نخلا في أرض الآخر ، فقضى لصاحب الأرض بأرضه ، وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله منها ، قال : فلقد رأيتها وإنها لتضرب أصولها بالفئوس ، وإنها لنخل عم حتى أخرجت منها .

[ ص: 283 ] قال أبو داود : وحدثنا أحمد بن سعيد الدارمي قال : حدثنا وهب بن جرير ، عن أبيه ، ، عن ابن إسحاق بإسناده ومعناه ، إلا أنه قال : فكان الذي حدثني هذا الحديث ، فقال الرجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأكثر ظني أنه أبو سعيد الخدري ، فأنا رأيت الرجل يضرب في أصول النخل .

وحدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا أحمد بن عبدة الآملي قال : حدثنا عبد الله بن عثمان قال : حدثنا عبد الله بن المبارك قال : أخبرنا نافع بن عمر ، عن ابن أبي مليكة ، عن عروة قال : أشهد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى أن الأرض أرض الله ، والعباد عباد الله ، ومن أحيا مواتا فهو أحق به جاءنا بهذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الذين جاءوا بالصلوات عنه .

وأخبرنا أحمد بن سعيد بن بشر قال : أخبرنا مسلمة بن قاسم ، حدثنا جعفر بن محمد بن الحسن بن سعيد الأصبهاني ، حدثنا يونس بن حبيب ، حدثنا أبو داود الطيالسي قال : حدثنا زمعة بن صالح ، عن الزهري ، عن عروة ، ، عن عائشة قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : العباد عباد الله ، والبلاد بلاد الله ، فمن أحيا من موات الأرض شيئا فهو له ، وليس لعرق ظالم حق .

قال أبو عمر : هذا الاختلاف عن عروة يدل على أن الصحيح في إسناد هذا الحديث عنه الإرسال كما روى مالك ، ومن تابعه ، وهو أيضا صحيح مسند على ما [ ص: 284 ] أوردنا ، والحمد لله ، وهو حديث متلقى بالقبول عند فقهاء الأمصار وغيرهم ، وإن اختلفوا في بعض معانيه ، وقد روي هذا الحديث بمثل لفظ حديث مالك من حديث عمرو بن عوف ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وحدثنا عبيد بن محمد قال : حدثنا عبد الله بن مسرور قال : حدثنا عيسى بن مسكين قال : حدثنا ابن سنجر قالا : حدثنا خالد بن مخلد قال : حدثنا كثير بن عبد الله ، وهو ابن عمرو بن عوف ، عن أبيه ، عن جده قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : من أحيا مواتا من الأرض في غير حق مسلم فهو له ، وليس لعرق ظالم حق .

حدثنا خلف بن القاسم ، حدثنا أحمد بن إبراهيم بن الحداد ، حدثنا بهلول بن إسحاق بن بهلول الأنباري بالأنبار قال : حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال : حدثنا كثير ، عن أبيه ، عن جده ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من أحيا مواتا من الأرض في غير حق مسلم فهو له ، وليس لعرق ظالم حق .

وأما قوله : وليس لعرق ظالم حق فقد فسره هشام بن عروة ومالك بن أنس بما لا أعلم فيه لغيرهما خلافا .

أخبرنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا أحمد بن السرح قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني مالك قال : قال هشام : العرق الظالم أن يغرس الرجل في أرض غيره ليستحقها بذلك ، قال مالك : العرق الظالم كلما أخذ واحتفر وغرس في غير حق .

[ ص: 285 ] قال أبو عمر : لم يختلف فيما ذكره مالك من الأعيان المغصوبات ، وكذلك عند مالك : من غصب أرضا فزرعها أو اكتراها ، أو غصب دارا فسكنها أو أكراها ثم استحقها ربها ، أن على الغاصب كراء ما سكن ورد ما أخذ ، واختلف قوله : إذا غصبها ، فلم يسكنها ولم يزرع الأرض وعطلها ، فالمشهور من مذهبه أنه ليس عليه فيما لم يسكن ولم يكر ولم يزرع شيء ، وقد روي عنه أن عليه كراء ذلك كله واختاره الوقار ، وهو مذهب الشافعي ، ومن حجته قوله - صلى الله عليه وسلم - : ليس لعرق ظالم حق وأما العروض والحيوان والثياب فليس هذا الباب موضع ذكر شيء من ذلك .

قال أبو عمر : أجمع العلماء على أن ما عرف ملكا لمالك غير منقطع أنه لا يجوز إحياؤه وملكه لأحد غير أربابه ، إلا أنهم اختلفوا في إحياء الأرض الموات بغير أمر السلطان ، فذهب الكوفيون إلى أنها إنما تحيى بأمر الإمام ، وسواء عندهم في ذلك ما قرب من العمران وما بعد ، وهذا قول أبي حنيفة .

وقال مالك : أما ما كان قريبا من العمران ، وإن لم يكن مملوكا ، فلا يحاز ولا يعمر إلا بإذن الإمام ، وأما ما كان في فيافي الأرض فلك أن تحييه بغير إذن الإمام ، قال : والإحياء في ميت الأرض شق الأنهار وحفر الآبار والبناء وغرس الشجر والحرث ، فما فعل من هذا كله فهو إحياء ، هذا قول مالك وابن القاسم .

وقال أشهب : ولو نزل قوم أرضا من أرض البرية فجعلوا يرعون ما حولها ، فذلك إحياء وهم أحق بها من غيرهم ما أقاموا عليها .

قال ابن القاسم : ولا يعرف مالك التحجير إحياء ، ولا ما قيل من حجر أرضا وتركها ثلاث سنين ، فإن أحياها وإلا فهي لمن أحياها ، لا يعرف ذلك [ ص: 286 ] مالك . قال مالك : ومن أحيا أرضا ثم تركها حتى دثرت وطال الزمان وهلكت الأشجار وتهدمت الآبار وعادت كأول مرة ، ثم أحياها غيره فهي لمحييها آخرا ، بخلاف ما ملك بخطة أو شراء .

وقال المزني ، عن الشافعي : بلاد المسلمين شيئان : عامر ، وموات ، فالعامر لأهله ، وكل ما أصلح به العامرون من طريق وفناء ومسيل ماء وغيره ، فهو كالعامر في أن لا يملك على أهله إلا بإذنهم ، والموات شيئان : موات قد كان عامرا لأهله معروفا في الإسلام ثم ذهبت عمارته فصار مواتا ، فذلك كالعامر لأهله لا يملك إلا بإذنهم ، والموات الثاني ما لم يملكه أحد في الإسلام يعرف ، ولا عمارة ملك في الجاهلية إذا لم يملك ، فذلك الموات الذي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من أحيا أرضا ميتة فهي له ، ومن أحيا مواتا فهو له .

قال : والإحياء ما عرفه الناس إحياء لمثل المحيي ، إن كان يبني بناء مثله أو ما يقرب ، قال : وأقل عمارة الأرض الزرع فيها والبئر يحفر ونحو ذلك ، قال : ومن اقتطع أرضا وتحجرها فلم يعمرها ، رأيت للسلطان أن يقول له : إن أحييتها وإلا خلينا بينها وبين من يحييها ، فإن تأجله رأيت أن يفعل .

قال أبو عمر : من رأى التحجير إحياء فحجته ما رواه شعبة وغيره من أصحاب قتادة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من أحاط حائطا على أرض فهي له والحسن عندهم لم يسمع من سمرة ، وإنما هي فيما زعموا صحيحة ، إلا أنهم لم يختلفوا أن الحسن سمع من سمرة حديث العقيقة ؛ لأنه وقف على ذلك ، فقال : سمعته من سمرة .

[ ص: 287 ] وقد روى الترمذي ، عن البخاري أن سماع الحسن من سمرة صحيح ، وقد ذكر عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر وابن عيينة ، ، عن ابن شهاب ، عن سالم ، ، عن ابن عمر قال : كان الناس يتحجرون على عهد عمر في الأرض التي ليست لأحد ، فقال عمر : من أحيا أرضا فهي له . وأما قوله في حديث جابر : وما أكلت العافية فهو له صدقة ، فالعافية والعوافي سباع الوحش والطير والدواب .

وأما قوله في حديث عروة : وإنها لنخل عم ، فالعم : التامة الكاملة .




الخدمات العلمية