الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون ، هذا الذي تضمنته هذه الآيات الثلاث مما ينبغي أن يعامل به شياطين الإنس وشياطين الجن ، قد قدمنا الآيات الدالة عليه بإيضاح في آخر سورة الأعراف ، في الكلام على قوله تعالى : خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين وإما ينزغنك من الشيطان نزغ الآية [ 7 \ 199 - 200 ] ، وقوله في هذه الآية : بالتي هي أحسن ، أي : بالخصلة التي هي أحسن الخصال ، والسيئة مفعول ادفع ووزن السيئة ، فيعلة أصلها : سيوئة وحروفها الأصلية السين والواو والهمزة ، وقد زيدت الياء الساكنة بين الفاء والعين ، فوجب إبدال الواو التي هي عين الكلمة ياء وإدغام ياء الفيعلة الزائدة فيها على القاعدة التصريفية المشار إليها بقول ابن مالك في الخلاصة :


                                                                                                                                                                                                                                      إن يسكن السابق من واو ويا واتصلا ومن عروض عريا     فياء الواو اقلبن مدغما
                                                                                                                                                                                                                                      وشذ معطى غير ما قد رسما



                                                                                                                                                                                                                                      كما قدمناه مرارا .

                                                                                                                                                                                                                                      والسيئة في اللغة : الخصلة من خصال السوء ، وقوله تعالى : نحن أعلم بما يصفون ، أي : بما تصفه ألسنتهم من الكذب في تكذيبهم لك ، وادعائهم [ ص: 353 ] الأولاد والشركاء لله ، وقد قدمنا في سورة المائدة أن اللين والصفح المطلوب في آيات القرآن بعد نزول القتال إنما هو بالنسبة إلى المؤمنين ، دون الكافرين في الكلام على قوله تعالى : أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين [ 5 \ 54 ] وبينا الآيات الدالة على ذلك كقوله في النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأصحابه أشداء على الكفار رحماء بينهم [ 48 \ 29 ] وقوله : واخفض جناحك للمؤمنين [ 15 \ 88 ] ، وقوله : ياأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم [ 9 \ 73 ] إلى آخر ما تقدم . وقوله في هذه الآية : وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ : جمع همزة وهي المرة من فعل الهمز ، وهو في اللغة : النخس والدفع ، وهمزات الشياطين : نخساتهم لبني آدم ليحثوهم ، ويحضوهم على المعاصي ، كما أوضحنا الكلام عليه في قوله تعالى : أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا [ 19 \ 83 ] وكقوله تعالى : ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل الآية [ 43 \ 36 - 37 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      والظاهر في قوله : وأعوذ بك رب أن يحضرون أن المعنى : أعوذ بك أن يحضرني الشيطان في أمر من أموري كائنا ما كان ، سواء كان ذلك وقت تلاوة القرآن ، كما قال تعالى : فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم [ 16 \ 98 ] أو عند حضور الموت أو غير ذلك من جميع الشؤون في جميع الأوقات ، والعلم عند الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية