الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة السادسة : ذكر الله الأنعام والخيل والبغال والحمير في مساق النعم ذكرا واحدا ، وذكر لكل جنس منها منفعة حسبما سردناه لكم ، ثم اختلف العلماء في الخيل منها ; هل تؤخذ الزكاة من مالكها أم لا ؟ [ ص: 125 ] فقال جمهور العلماء : لا زكاة فيها .

                                                                                                                                                                                                              وقال أبو حنيفة : فيها الزكاة منتزعا من قول النبي صلى الله عليه وسلم : { الخيل ثلاثة : لرجل أجر ، ولرجل ستر ، وعلى رجل وزر } الحديث .

                                                                                                                                                                                                              قال فيه : { ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها } .

                                                                                                                                                                                                              واحتجوا بأثر يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { في الخيل السائمة في كل فرس دينار } . وعول أصحابه من طريق المعنى على أن الخيل جنس يسام ، ويبتغى نسله في غالب البلدان " فوجبت الزكاة فيه كالأنعام . وتعلق علماؤنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم : { ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة } ، فنفى الصدقة عن العبد والفرس نفيا واحدا ، وساقهما مساقا واحدا ; وهو صحيح .

                                                                                                                                                                                                              وروى الترمذي وغيره من المصنفين عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق ، إلا أن في الرقيق صدقة الفطر } .

                                                                                                                                                                                                              وقد كتب معاوية إلى عمر : إني وجدت أموال أهل الشام الرقيق والخيل . فكتب إليه عمر أن دعهما ، ثم استشار عثمان ، فقال مثل ما قال عمر . [ ص: 126 ] وروي أن أهل الشام قد جمعوا صدقة خيولهم وأموالهم ، وأتوا بها عمر ، فاستشار عليا فقال : لا أرى به بأسا إلا أن تكون سنة باقية بعدك .

                                                                                                                                                                                                              فأما قوله صلى الله عليه وسلم : { ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها } فيعني به الحملان في سبيل الله على معنى الندب والخلاص من الحساب .

                                                                                                                                                                                                              وأما حديثهم { في الخيل السائمة في كل فرس دينار } فيرويه غورك السعدي ، وهو مجهول .

                                                                                                                                                                                                              جواب آخر " قد ناقضوا فقالوا : إن الصدقة في إناثها لا في ذكورها .

                                                                                                                                                                                                              وليس في الحديث فضل بينهما ، ونقيس الإناث على الذكور في نفي الصدقة ؟ فإنه حيوان يقتنى لنسله لا لدره ، لا تجب الزكاة في ذكوره ، فلم تجب في إناثه ، كالبغال والحمير . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية