الفصل الرابع : قال القاضي
أبو الفضل
هذا حكم المسلم فأما
nindex.php?page=treesubj&link=10028_24376الذمي إذا صرح بسبه أو عرض أو استخف بقدره أو وصفه بغير الوجه الذي كفر به فلا خلاف عندنا في قتله إن لم يسلم ، لأنا لم نعطه الذمة أو العهد على هذا وهو قول عامة الفقهاء ، إلا
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبا حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ، وأتباعهما من
أهل الكوفة ، فإنهم قالوا : لا يقتل ما هو عليه من الشرك أعظم ، ولكن يؤدب ويعذر .
واستدل بعض شيوخنا على قتله بقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=12وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم [ التوبة : 12 ] الآية . .
ويستدل عليه أيضا بقتل النبي - صلى الله عليه وسلم -
لابن الأشرف ، وأشباهه ، ولأنا لم نعاهدهم ، ولم نعطهم الذمة على هذا ولا يجوز لنا أن نفعل ذلك معهم ، فإذا أتوا ما لم يعطوا عليه العهد ، ولا الذمة فقد نقضوا ذمتهم ، وصاروا كفارا يقتلون لكفرهم .
وأيضا فإن
nindex.php?page=treesubj&link=24376ذمتهم لا تسقط حدود الإسلام عنهم ، من القطع في سرقة أموالهم ، والقتل لمن قتلوه منهم ، وإن كان ذلك حلالا عندهم فكذلك سبهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - يقتلون به .
ووردت لأصحابنا ظواهر تقتضي الخلاف إذا
nindex.php?page=treesubj&link=10028_24376ذكره الذمي بالوجه الذي كفر به ، ستقف عليها من كلام
ابن القاسم ،
nindex.php?page=showalam&ids=13211وابن سحنون بعد .
وحكى
أبو المصعب الخلاف فيها عن أصحابه المدنيين . واختلفوا إذا
nindex.php?page=treesubj&link=10028_24376سبه ثم أسلم ، فقيل : يسقط إسلامه قتله ، لأن الإسلام يجب ما قبله ، بخلاف المسلم إذا سبه ثم تاب ، لأنا نعلم باطنة الكافر في بغضه له ، وتنقصه بقلبه ،
[ ص: 573 ] لكنا منعناه من إظهاره ، فلم يزدنا ما أظهره إلا مخالفة للأمر ونقضا للعهد ، فإذا رجع عن دينه الأول إلى الإسلام سقط ما قبله ، قال الله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=38قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف [ الأنفال : 38 ] .
والمسلم بخلافه ، إذ كان ظننا بباطنه حكم ظاهره وخلاف ما بدا منه الآن فلم نقبل بعد رجوعه ، ولا استنمنا إلى باطنه ، إذ قد بدت سرائره ، وما ثبت عليه من الأحكام باقية عليه لا يسقطها شيء .
وقيل : لا يسقط
nindex.php?page=treesubj&link=10028_24376إسلام الذمي الساب قتله ، لأنه حق للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وجب عليه ، لانتهاكه حرمته ، وقصده إلحاق النقيصة والمعرة به ، فلم يكن رجوعه إلى الإسلام بالذي يسقطه ، كما وجب عليه من حقوق المسلمين من قبل إسلامه من قتل وقذف ، وإذا كنا لا نقبل توبة المسلم فإنا لا نقبل توبة الكافر أولى .
وقال
مالك في كتاب
ابن حبيب ،
والمبسوط ،
وابن القاسم ،
nindex.php?page=showalam&ids=12873وابن الماجشون ،
وابن عبد الحكم ،
وأصبغ فيمن
nindex.php?page=treesubj&link=10028_24376شتم نبينا من أهل الذمة أو أحدا من الأنبياء - عليهم السلام - قتل إلا أن يسلم ، وقاله
ابن القاسم في العتبية ، وعند
محمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=13211وابن سحنون .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون ،
وأصبغ : لا يقال له أسلم ، ولا لا تسلم ، ولكن إن أسلم فذلك له توبة .
وفي كتاب
محمد : أخبرنا أصحاب
مالك أنه قال : من سب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو غيره من الأنبياء من مسلم أو كافر قتل ، ولم يستتب .
وروي لنا عن
مالك : إلا أن يسلم الكافر .
وقد روى
ابن وهب ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أن راهبا تناول النبي - صلى الله عليه وسلم - ! فقال
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : فهلا قتلتموه ! .
وروى
عيسى عن
ابن القاسم في
nindex.php?page=treesubj&link=24376ذمي قال : إن محمدا لم يرسل إلينا ، إنما أرسل إليكم ، وإنما نبينا موسى أو عيسى ، ونحو هذا : لا شيء عليهم ، لأن الله - تعالى - أقرهم على مثله .
وأما إن سبه فقال : ليس بنبي ، أو لم يرسل ، أو لم ينزل عليه القرآن وإنما شيء تقوله أو نحو هذا فيقتل .
وقال
ابن القاسم : وإذا
nindex.php?page=treesubj&link=24376قال النصراني : ديننا خير من دينكم ، وإنما دينكم دين الحمير ، ونحو هذا من القبيح أو سمع المؤذن يقول : أشهد أن
محمدا رسول الله ، فقال : كذلك يعطيكم الله ، ففي هذا الأدب الموجع والسجن الطويل .
قال : وأما إن شتم النبي - صلى الله عليه وسلم - شتما يعرف فإنه يقتل إلا أن يسلم ، قاله
مالك غير مرة ، ولم يقل يستتاب .
قال
ابن القاسم : ومحمل قوله عندي إن أسلم طائعا .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13211ابن سحنون في سؤالات
سليمان بن سالم في
nindex.php?page=treesubj&link=24376اليهودي يقول للمؤذن ، إذا تشهد : كذبت يعاقب العقوبة الموجعة مع السجن الطويل .
وفي النوادر من رواية
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون عنه :
nindex.php?page=treesubj&link=10028_10029من شتم الأنبياء من اليهود والنصارى بغير الوجه الذي به كفروا ضربت عنقه إلا أن يسلم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13211محمد بن سحنون : فإن قيل : لم قتلته في سب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومن دينه سبه
[ ص: 574 ] وتكذيبه ؟ قيل : لأنا لم نعطهم العهد على ذلك ، ولا على قتلنا ، وأخذ أموالنا ، فإذا قتل واحدا منا قتلناه ، وإن كان من دينه استحلاله ، فكذلك إظهاره لسب نبينا - صلى الله عليه وسلم - .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون : كما لو بذل لنا أهل الحرب الجزية على إقرارهم على سبه لم يجز لنا ذلك في قول قائل .
كذلك ينتقض عهد من سب منهم ، ويحل لنا دمه فكما لم يحصن الإسلام من سبه من القتل كذلك لا تحصنه الذمة .
قال
القاضي أبو الفضل : ما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=13211ابن سحنون عن نفسه ، وعن أبيه مخالف لقول
ابن القاسم فيما خفف عقوبتهم فيه مما به كفروا ، فتأمله .
ويدل على أنه خلاف ما روي عن المدنيين في ذلك ، فحكى
nindex.php?page=showalam&ids=12154أبو المصعب الزهري ، قال : أتيت بنصراني قال : والذي اصطفى
عيسى على
محمد ، فاختلف علي فيه ، فضربته حتى قتلته ، أو عاش يوما وليلة ، وأمرت من جر برجله ، وطرح على مزبلة ، فأكلته الكلاب .
وسئل
أبو المصعب عن
nindex.php?page=treesubj&link=24376نصراني قال : عيسى خلق محمدا . فقال : يقتل .
وقال
ابن القاسم : سألنا
مالكا عن
nindex.php?page=treesubj&link=10028نصراني بمصر شهد عليه أنه قال : مسكين محمد ، يخبركم أنه في الجنة ، ما له لم ينفع نفسه ! إذ كانت الكلاب تأكل ساقيه ، لو قتلوه استراح منه الناس .
قال
مالك : أرى أن تضرب عنقه .
قال : ولقد كدت ألا أتكلم فيها بشيء ، ثم رأيت أنه لا يسعني الصمت .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13469ابن كنانة في المبسوطة : من شتم النبي - صلى الله عليه وسلم - من اليهود والنصارى فأرى للإمام أن يحرقه بالنار ، وإن شاء قتله ثم حرق جثته ، وإن شاء أحرقه بالنار حيا إذا تهافتوا في سبه .
ولقد كتب إلى
مالك من
مصر وذكر مسألة
ابن القاسم المتقدمة ، قال : فأمرني
مالك ، فكتبت بأن يقتل ، وأن يضرب عنقه ، فكتبت ، ثم قلت : يا
أبا عبد الله ، وأكتب : ثم يحرق بالنار ؟ فقال : إنه لحقيق بذلك ، وما أولاه به . فكتبته بيدي بين يديه ، فما أنكره ، ولا عابه ، ونفذت الصحيفة بذلك فقتل ، وحرق .
وأفتى
عبيد الله بن يحيى ،
وابن لبابة في جماعة سلف أصحابنا الأندلسيين بقتل
nindex.php?page=treesubj&link=24376نصرانية استهلت بنفي الربوبية ونبوة عيسى لله وبتكذيب محمد في النبوة ، وبقبول إسلامها ودرء القتل عنها به .
وبه قال غير واحد من المتأخرين منهم
القابسي ،
وابن الكاتب .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14009أبو القاسم بن الجلاب في كتابه : من سب الله ورسوله من مسلم أو كافر قتل ولا يستتاب .
وحكى القاضي
أبو محمد في
nindex.php?page=treesubj&link=10028الذمي يسب ثم يسلم روايتين في درء القتل عنه بإسلامه .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13211ابن سحنون : وحد القذف وشبهه من حقوق العباد لا يسقطه عن الذمي إسلامه ، وإنما يسقط عنه بإسلامه حدود الله .
فأما حد القذف فحق
[ ص: 575 ] للعباد ، كان ذلك لنبي أو غيره ، فأوجب على الذمي إذا قذف النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم أسلم حد القذف .
ولكن انظر ماذا يجب عليه ؟ هل حد القذف في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهو القتل لزيادة حرمة النبي - صلى الله عليه وسلم - على غيره ، أم هل يسقط القتل بإسلامه ، ويحد ثمانين ؟ فتأمله .
الْفَصْلُ الرَّابِعُ : قَالَ الْقَاضِي
أَبُو الْفَضْلِ
هَذَا حُكْمُ الْمُسْلِمِ فَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=10028_24376الذِّمِّيُّ إِذَا صَرَّحَ بِسَبِّهِ أَوْ عَرَّضَ أَوِ اسْتَخَفَّ بِقَدْرِهِ أَوْ وَصَفَهُ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي كَفَرَ بِهِ فَلَا خِلَافَ عِنْدِنَا فِي قَتْلِهِ إِنْ لَمْ يُسْلِمْ ، لِأَنَّا لَمْ نُعْطِهِ الذِّمَّةَ أَوِ الْعَهْدَ عَلَى هَذَا وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ ، إِلَّا
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبَا حَنِيفَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004وَالثَّوْرِيَّ ، وَأَتْبَاعَهُمَا مِنْ
أَهْلِ الْكُوفَةِ ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا : لَا يُقْتَلُ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ أَعْظَمُ ، وَلَكِنْ يُؤَدَّبُ وَيُعَذَّرُ .
وَاسْتَدَلَّ بَعْضُ شُيُوخِنَا عَلَى قَتْلِهِ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=12وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ [ التَّوْبَةِ : 12 ] الْآيَةَ . .
وَيُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا بِقَتْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
لِابْنِ الْأَشْرَفِ ، وَأَشْبَاهِهِ ، وَلِأَنَّا لَمْ نُعَاهِدْهُمْ ، وَلَمْ نُعْطِهِمُ الذِّمَّةَ عَلَى هَذَا وَلَا يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَفْعَلَ ذَلِكَ مَعَهُمْ ، فَإِذَا أَتَوْا مَا لَمْ يُعْطَوْا عَلَيْهِ الْعَهْدَ ، وَلَا الذِّمَّةَ فَقَدْ نَقَضُوا ذِمَّتَهُمْ ، وَصَارُوا كُفَّارًا يُقْتَلُونَ لِكُفْرِهِمْ .
وَأَيْضًا فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=24376ذِمَّتَهُمْ لَا تُسْقِطُ حُدُودَ الْإِسْلَامِ عَنْهُمْ ، مِنَ الْقَطْعِ فِي سَرِقَةِ أَمْوَالِهِمْ ، وَالْقَتْلِ لِمَنْ قَتَلُوهُ مِنْهُمْ ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ حَلَالًا عِنْدَهُمْ فَكَذَلِكَ سَبُّهُمُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقْتَلُونَ بِهِ .
وَوَرَدَتْ لِأَصْحَابِنَا ظَوَاهِرُ تَقْتَضِي الْخِلَافَ إِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=10028_24376ذَكَرَهُ الذِّمِّيُّ بِالْوَجْهِ الَّذِي كَفَرَ بِهِ ، سَتَقِفُ عَلَيْهَا مِنْ كَلَامِ
ابْنِ الْقَاسِمِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13211وَابْنِ سُحْنُونٍ بَعْدُ .
وَحَكَى
أَبُو الْمُصْعَبِ الْخِلَافَ فِيهَا عَنْ أَصْحَابِهِ الْمَدَنِيِّينَ . وَاخْتَلَفُوا إِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=10028_24376سَبَّهُ ثُمَّ أَسْلَمَ ، فَقِيلَ : يُسْقِطُ إِسْلَامُهُ قَتْلَهُ ، لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ ، بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ إِذَا سَبَّهُ ثُمَّ تَابَ ، لِأَنَّا نَعْلَمُ بَاطِنَةَ الْكَافِرِ فِي بُغْضِهِ لَهُ ، وَتَنَقُّصِهِ بِقَلْبِهِ ،
[ ص: 573 ] لَكِنَّا مَنَعْنَاهُ مِنْ إِظْهَارِهِ ، فَلَمْ يَزِدْنَا مَا أَظْهَرَهُ إِلَّا مُخَالَفَةً لِلْأَمْرِ وَنَقْضًا لِلْعَهْدِ ، فَإِذَا رَجَعَ عَنْ دِينِهِ الْأَوَّلِ إِلَى الْإِسْلَامِ سَقَطَ مَا قَبْلَهُ ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=38قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [ الْأَنْفَالِ : 38 ] .
وَالْمُسْلِمُ بِخِلَافِهِ ، إِذْ كَانَ ظَنُّنَا بِبَاطِنِهِ حُكْمَ ظَاهِرِهِ وَخِلَافَ مَا بَدَا مِنْهُ الْآنَ فَلَمْ نَقْبَلْ بَعْدُ رُجُوعَهُ ، وَلَا اسْتَنَمْنَا إِلَى بَاطِنِهِ ، إِذْ قَدْ بَدَتْ سَرَائِرُهُ ، وَمَا ثَبَتَ عَلَيْهِ مِنَ الْأَحْكَامِ بَاقِيَةٌ عَلَيْهِ لَا يُسْقِطُهَا شَيْءٌ .
وَقِيلَ : لَا يُسْقِطُ
nindex.php?page=treesubj&link=10028_24376إِسْلَامُ الذِّمِّيِّ السَّابِّ قَتْلَهُ ، لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَجَبَ عَلَيْهِ ، لِانْتِهَاكِهِ حُرْمَتَهُ ، وَقَصْدِهِ إِلْحَاقَ النَّقِيصَةَ وَالْمَعَرَّةَ بِهِ ، فَلَمْ يَكُنْ رُجُوعُهُ إِلَى الْإِسْلَامِ بِالَّذِي يُسْقِطُهُ ، كَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلِ إِسْلَامِهِ مِنْ قَتْلٍ وَقَذْفٍ ، وَإِذَا كُنَّا لَا نَقْبَلُ تَوْبَةَ الْمُسْلِمِ فَإِنَّا لَا نَقْبَلُ تَوْبَةَ الْكَافِرِ أَوْلَى .
وَقَالَ
مَالِكٌ فِي كِتَابِ
ابْنِ حَبِيبٍ ،
وَالْمَبْسُوطِ ،
وَابْنِ الْقَاسِمِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12873وَابْنِ الْمَاجِشُونِ ،
وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ ،
وَأَصْبَغَ فِيمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=10028_24376شَتَمَ نَبِيَّنَا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْ أَحَدًا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - قُتِلَ إِلَّا أَنْ يُسْلِمَ ، وَقَالَهُ
ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ ، وَعِنْدَ
مُحَمَّدٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13211وَابْنِ سُحْنُونٍ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15968سُحْنُونٌ ،
وَأَصْبَغُ : لَا يُقَالُ لَهُ أَسْلِمْ ، وَلَا لَا تُسْلِمْ ، وَلَكِنْ إِنْ أَسْلَمَ فَذَلِكَ لَهُ تَوْبَةٌ .
وَفِي كِتَابِ
مُحَمَّدٍ : أَخْبَرَنَا أَصْحَابُ
مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ : مَنْ سَبَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ غَيْرَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ قُتِلَ ، وَلَمْ يُسْتَتَبْ .
وَرُوِيَ لَنَا عَنْ
مَالِكٍ : إِلَّا أَنْ يُسْلِمَ الْكَافِرُ .
وَقَدْ رَوَى
ابْنُ وَهْبٍ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَاهِبًا تَنَاوَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ! فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنُ عُمَرَ : فَهَلَّا قَتَلْتُمُوهُ ! .
وَرَوَى
عِيسَى عَنِ
ابْنِ الْقَاسِمِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=24376ذَمِّيٍّ قَالَ : إِنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يُرْسَلْ إِلَيْنَا ، إِنَّمَا أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ ، وَإِنَّمَا نَبِيُّنَا مُوسَى أَوْ عِيسَى ، وَنَحْوُ هَذَا : لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ ، لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَقَرَّهُمْ عَلَى مِثْلِهِ .
وَأَمَّا إِنْ سَبَّهُ فَقَالَ : لَيْسَ بِنَبِيٍّ ، أَوْ لَمْ يُرْسَلْ ، أَوْ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَإِنَّمَا شَيْءٌ تَقَوَّلَهُ أَوْ نَحْوُ هَذَا فَيُقْتَلُ .
وَقَالَ
ابْنُ الْقَاسِمِ : وَإِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=24376قَالَ النَّصْرَانِيُّ : دِينُنَا خَيْرٌ مِنْ دِينِكُمْ ، وَإِنَّمَا دِينُكُمْ دِينُ الْحَمِيرِ ، وَنَحْوُ هَذَا مِنَ الْقَبِيحِ أَوْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ يَقُولُ : أَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، فَقَالَ : كَذَلِكَ يُعْطِيكُمُ اللَّهُ ، فَفِي هَذَا الْأَدَبُ الْمُوجِعُ وَالسِّجْنُ الطَّوِيلُ .
قَالَ : وَأَمَّا إِنْ شَتَمَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَتْمًا يُعْرَفُ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ إِلَّا أَنْ يُسْلِمَ ، قَالَهُ
مَالِكٌ غَيْرَ مَرَّةٍ ، وَلَمْ يَقُلْ يُسْتَتَابُ .
قَالَ
ابْنُ الْقَاسِمِ : وَمَحْمَلُ قَوْلِهِ عِنْدِي إِنْ أَسْلَمَ طَائِعًا .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13211ابْنُ سُحْنُونٍ فِي سُؤَالَاتِ
سُلَيْمَانَ بْنِ سَالِمٍ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=24376الْيَهُودِيِّ يَقُولُ لِلْمُؤَذِّنِ ، إِذَا تَشَهَّدَ : كَذَبْتَ يُعَاقَبُ الْعُقُوبَةَ الْمُوجِعَةَ مَعَ السِّجْنِ الطَّوِيلِ .
وَفِي النَّوَادِرِ مِنْ رِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=15968سُحْنُونٍ عَنْهُ :
nindex.php?page=treesubj&link=10028_10029مَنْ شَتَمَ الْأَنْبِيَاءَ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي بِهِ كَفَرُوا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ إِلَّا أَنْ يُسْلِمَ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13211مُحَمَّدُ بْنُ سُحْنُونٍ : فَإِنْ قِيلَ : لِمَ قَتَلْتَهُ فِي سَبِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَمِنْ دِينِهِ سَبُّهُ
[ ص: 574 ] وَتَكْذِيبُهُ ؟ قِيلَ : لِأَنَّا لَمْ نُعْطِهِمُ الْعَهْدَ عَلَى ذَلِكَ ، وَلَا عَلَى قَتْلِنَا ، وَأَخْذِ أَمْوَالِنَا ، فَإِذَا قَتَلَ وَاحِدًا مِنَّا قَتَلْنَاهُ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ دِينِهِ اسْتِحْلَالُهُ ، فَكَذَلِكَ إِظْهَارُهُ لِسَبِّ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15968سُحْنُونٌ : كَمَا لَوْ بَذَلَ لَنَا أَهْلُ الْحَرْبِ الْجِزْيَةَ عَلَى إِقْرَارِهِمْ عَلَى سَبِّهِ لَمْ يَجُزْ لَنَا ذَلِكَ فِي قَوْلِ قَائِلٍ .
كَذَلِكَ يَنْتَقِضُ عَهْدُ مَنْ سَبَّ مِنْهُمْ ، وَيَحِلُّ لَنَا دَمُهُ فَكَمَا لَمْ يُحْصِنِ الْإِسْلَامُ مَنْ سَبَّهُ مِنَ الْقَتْلِ كَذَلِكَ لَا تُحْصِنُهُ الذِّمَّةُ .
قَالَ
الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ : مَا ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13211ابْنُ سُحْنُونٍ عَنْ نَفْسِهِ ، وَعَنْ أَبِيهِ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ
ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَا خَفَّفَ عُقُوبَتَهُمْ فِيهِ مِمَّا بِهِ كَفَرُوا ، فَتَأَمَّلْهُ .
وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ خِلَافَ مَا رُوِيَ عَنِ الْمَدَنِيِّينَ فِي ذَلِكَ ، فَحَكَى
nindex.php?page=showalam&ids=12154أَبُو الْمُصْعَبِ الزُّهْرِيُّ ، قَالَ : أُتِيتُ بِنَصْرَانِيٍّ قَالَ : وَالَّذِي اصْطَفَى
عِيسَى عَلَى
مُحَمَّدٍ ، فَاخْتُلِفَ عَلَيَّ فِيهِ ، فَضَرَبْتُهُ حَتَّى قَتَلْتُهُ ، أَوْ عَاشَ يَوْمًا وَلَيْلَةً ، وَأَمَرْتُ مَنْ جَرَّ بِرِجْلِهِ ، وَطُرِحَ عَلَى مَزْبَلَةٍ ، فَأَكَلَتْهُ الْكِلَابُ .
وَسُئِلَ
أَبُو الْمُصْعَبِ عَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=24376نَصْرَانِيٍّ قَالَ : عِيسَى خَلَقَ مُحَمَّدًا . فَقَالَ : يُقْتَلُ .
وَقَالَ
ابْنُ الْقَاسِمِ : سَأَلْنَا
مَالِكًا عَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=10028نَصْرَانِيٍّ بِمِصْرَ شُهِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ : مِسْكِينٌ مُحَمَّدٌ ، يُخْبِرُكُمْ أَنَّهُ فِي الْجَنَّةِ ، مَا لَهُ لَمْ يَنْفَعْ نَفْسَهُ ! إِذْ كَانَتِ الْكِلَابُ تَأْكُلُ سَاقَيْهِ ، لَوْ قَتَلُوهُ اسْتَرَاحَ مِنْهُ النَّاسُ .
قَالَ
مَالِكٌ : أَرَى أَنْ تُضْرَبَ عُنُقُهُ .
قَالَ : وَلَقَدْ كِدْتُ أَلَّا أَتَكَلَّمَ فِيهَا بِشَيْءٍ ، ثُمَّ رَأَيْتُ أَنَّهُ لَا يَسَعُنِي الصَّمْتُ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13469ابْنُ كِنَانَةَ فِي الْمَبْسُوطَةِ : مَنْ شَتَمَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَأَرَى لِلْإِمَامِ أَنْ يُحْرِقَهُ بِالنَّارِ ، وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُ ثُمَّ حَرَقَ جُثَّتَهُ ، وَإِنْ شَاءَ أَحْرَقَهُ بِالنَّارِ حَيًّا إِذَا تَهَافَتُوا فِي سَبِّهِ .
وَلَقَدْ كُتِبَ إِلَى
مَالِكٍ مِنْ
مِصْرَ وَذَكَرَ مَسْأَلَةَ
ابْنِ الْقَاسِمِ الْمُتَقَدِّمَةَ ، قَالَ : فَأَمَرَنِي
مَالِكٌ ، فَكَتَبْتُ بِأَنْ يُقْتَلَ ، وَأَنْ يُضْرَبَ عُنُقُهُ ، فَكَتَبْتُ ، ثُمَّ قُلْتُ : يَا
أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، وَأَكْتُبُ : ثُمَّ يُحْرَقُ بِالنَّارِ ؟ فَقَالَ : إِنَّهُ لَحَقِيقٌ بِذَلِكَ ، وَمَا أَوَّلَاهُ بِهِ . فَكَتَبْتُهُ بِيَدِي بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَمَا أَنْكَرَهُ ، وَلَا عَابَهُ ، وَنَفَذَتِ الصَّحِيفَةُ بِذَلِكَ فَقُتِلَ ، وَحُرِقَ .
وَأَفْتَى
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى ،
وَابْنُ لُبَابَةَ فِي جَمَاعَةِ سَلَفِ أَصْحَابِنَا الْأَنْدَلُسِيِّينَ بِقَتْلِ
nindex.php?page=treesubj&link=24376نَصْرَانِيَّةٍ اسْتَهَلَّتْ بِنَفْيِ الرُّبُوبِيَّةِ وَنُبُوَّةِ عِيسَى لِلَّهِ وَبِتَكْذِيبِ مُحَمَّدٍ فِي النُّبُوَّةِ ، وَبِقَبُولِ إِسْلَامِهَا وَدَرْءِ الْقَتْلِ عَنْهَا بِهِ .
وَبِهِ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمُ
الْقَابِسِيُّ ،
وَابْنُ الْكَاتِبِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14009أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْجَلَّابِ فِي كِتَابِهِ : مَنْ سَبَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ قُتِلَ وَلَا يُسْتَتَابُ .
وَحَكَى الْقَاضِي
أَبُو مُحَمَّدٍ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=10028الذِّمِّيِّ يَسُبُّ ثُمَّ يُسْلِمُ رِوَايَتَيْنِ فِي دَرْءِ الْقَتْلِ عَنْهُ بِإِسْلَامِهِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13211ابْنُ سُحْنُونٍ : وَحَدُّ الْقَذْفِ وَشِبْهُهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ لَا يُسْقِطُهُ عَنِ الذِّمِّيِّ إِسْلَامُهُ ، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِإِسْلَامِهِ حُدُودُ اللَّهِ .
فَأَمَّا حَدُّ الْقَذْفِ فَحَقٌّ
[ ص: 575 ] لِلْعِبَادِ ، كَانَ ذَلِكَ لِنَبِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ ، فَأَوْجَبَ عَلَى الذِّمِّيِّ إِذَا قَذَفَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ أَسْلَمَ حَدَّ الْقَذْفِ .
وَلَكِنِ انْظُرْ مَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ ؟ هَلْ حَدُّ الْقَذْفِ فِي حَقِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَهُوَ الْقَتْلُ لِزِيَادَةِ حُرْمَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى غَيْرِهِ ، أَمْ هَلْ يَسْقُطُ الْقَتْلُ بِإِسْلَامِهِ ، وَيُحَدُّ ثَمَانِينَ ؟ فَتَأَمَّلْهُ .