الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه مريب من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد ) .

لما بين تعالى أن الدعاء إلى دين الله أعظم [ ص: 500 ] القربات ، وأنه يحصل ذلك بذكر دلائل التوحيد والعدل والبعث ، عاد إلى تهديد من ينازع في تلك الآيات ويجادل ، فقال : ( إن الذين يلحدون في آياتنا ) ، وتقدم الكلام على الإلحاد في قوله : ( وذروا الذين يلحدون في أسمائه ) ، وذكر تعالى أنهم لا يخفون عليه ، وفي ذلك تهديد لهم . وقال قتادة : هنا الإلحاد : التكذيب ، ومجاهد : المكاء والصفير واللغو .

وقال ابن عباس : وضع الكلام غير موضعه . وقال أبو مالك : يميلون عن آياتنا . وقال السدي : يعاندون رسلنا فيما جاءوا فيه من البينات والآيات .

ثم استفهم تقريرا : ( أفمن يلقى في النار ) ، بإلحاده في آياتنا ، ( خير أم من يأتي آمنا ) ، ولا اشتراك بين الإلقاء في النار والإتيان آمنا ، لكنه ، كما قلنا ، استفهام تقرير ، كما يقرر المناظر خصمه على وجهين ، أحدهما فاسد يرجو أن يقع في الفاسد فيتضح جهله ، ونبه بقوله : ( يلقى في النار ) على مستقر الأمر ، وهو الجنة ، وبقوله : ( آمنا ) على خوف الكافر وطول وجله ، وهذه الآية ، قال ابن بحر : عامة في كل كافر ومؤمن .

وقال مقاتل : نزلت في أبي جهل وعثمان بن عفان . وقيل : فيه وفي عمار بن ياسر . وقيل : فيه وفي عمر . وقيل : في أبي جهل وحمزة بن عبد المطلب . وقال الكلبي : وأبو جهل والرسول - صلى الله عليه وسلم - .

ولما تقدم ذكر الإلحاد ، ناسب أن يتصل به من التقرير من اتصف به . ولم يكن التركيب : أم من يأتي آمنا يوم القيامة كمن يلقى في النار ، كما قدم ما يشبهه في قوله : ( أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى ) ، وكما جاء في سورة القتال : ( أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله ) .

( اعملوا ما شئتم ) : وعيد وتهديد بصيغة الأمر ، ولذا جاء ( إنه بما تعملون بصير ) فيجازيكم بأعمالكم .

( إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم ) : هم قريش ومن تابعهم من الكفار غيرهم ، والذكر : القرآن هو بإجماع ، وخبر ( إن ) اختلفوا فيه أمذكور هو أو محذوف ؟ فقيل : مذكور ، وهو قوله : ( أولئك ينادون من مكان بعيد ) ، وهو قول أبي عمرو بن العلاء في حكاية جرت بينه وبين بلال بن أبي بردة . سئل بلال في مجلسه عن هذا فقال : لم أجد لها نفاذا ، فقال له أبو عمرو : وإنه منك لقريب ( أولئك ينادون ) .

وقال الحوفي : ويرد على هذا القول كثرة الفصل ، وأنه ذكر هناك من تكون الإشارة إليهم ، وهو قوله : ( والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون ) .

وقيل : محذوف ، وخبر ( إن ) يحذف لفهم المعنى .

وسأل عيسى بن عمر عمرو بن عبيد عن ذلك فقال عمرو : معناه في التفسير : إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم كفروا به ، وإنه لكتاب ، فقال عيسى : أجدت يا أبا عثمان .

وقال قوم : تقديره معاندون أو هالكون . وقال الكسائي : قد سد مسده ما تقدم من الكلام قبل إن ، وهو قوله : ( أفمن يلقى في النار ) . انتهى ، كأنه يريد : دل عليه ما قبله ، فيمكن أن يقدر يخلدون في النار .

وقال الزمخشري : ( فإن قلت ) : بم اتصل قوله : ( إن الذين كفروا بالذكر ) ؟ ( قلت ) : هو بدل من قوله : ( إن الذين يلحدون في آياتنا ) . انتهى .

ولم يتعرض بصريح الكلام في خبر إن أمذكور هو أو محذوف ، لكن قد ينتزع من كلامه هذا أنه تكلم فيه بطريق الإشارة إليه ؛ لأنه ادعى أن قوله : ( إن الذين كفروا بالذكر ) بدل من قوله : ( إن الذين يلحدون ) ، فالمحكوم به على المبدل منه هو المحكوم به على البدل ، فيكون التقدير : ( إن الذين يلحدون في آياتنا ) ، ( إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم ) ، لا يخفون علينا .

وقال ابن عطية : والذي يحسن في هذا هو إضمار الخبر بعد ( حكيم حميد ) ، وهو أشد إظهارا ؛ لأن قوله : ( وإنه لكتاب عزيز ) داخل في صفة الذكر المكذب به ، فلم يتم ذكر المخبر عنه إلا بعد استيفاء وصفه . انتهى ، وهو كلام حسن .

والذي أذهب إليه أن الخبر مذكور ، لكنه حذف منه عائد يعود على اسم إن ، وذلك في قوله : ( لا يأتيه الباطل ) أي : الباطل منهم ، أي : الكافرون به ، وحالة هذه لا يأتيه باطلهم ، أي : متى رامو فيه أن يكون ليس حقا ثابتا من عند الله وإبطالا له لم يصلوا إليه ، أو تكون ( ال ) عوضا من الضمير على قول [ ص: 501 ] الكوفيين ، أي : لا يأتيه باطلهم ، أو يكون الخبر قوله : ( ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك ) ، أي : أوحى إليك في شأن هؤلاء المكذبين لك . ولما جئت به مثل ما أوحي إلى من قبلك من الرسل ، وهو أنهم عاقبتهم سيئة في الدنيا بالهلاك ، وفي الآخرة بالعذاب الدائم . وغاية ما في هذين التوجهين حذف الضمير العائد على اسم إن ، وهو موجود ، نحو قوله : السمن منوان بدرهم أي : منوان منه والبر كر بدرهم أي : كر منه .

وعن بعض نحاة الكوفة : الخبر في قوله : ( وإنه لكتاب عزيز ) ، وهذا لا يتعقل .

( وإنه لكتاب عزيز ) : جملة حالية ، كما تقول : جاء زيد وإن يده على رأسه ، أي : كفروا به ، وهذه حاله وعزته كونه عديم النظير لما احتوى عليه من الإعجاز الذي لا يوجد في غيره من الكتب ، أو غالب ناسخ لسائر الكتب والشرائع .

وقال ابن عباس : ( عزيز ) كريم على الله تعالى . وقال مقاتل : ممتنع من الشيطان . وقال السدي : غير مخلوق .

وقيل : وصف بالعزة ؛ لأنه لصحة معانيه ممتنع الطعن فيه والإزراء عليه ، وهو محفوظ من الله ، ( لا يأتيه الباطل ) من جعل خبر إن محذوفا ، أو قوله : ( أولئك ينادون ) ، كانت هذه الجملة في موضع الصفة وعلى ما اخترناه من أحد الوجهين تكون الجملة في موضع خبر إن ، والمعنى أن الباطل لا يتطرق إليه ( من بين يديه ولا من خلفه ) ، تمثيل أي : لا يجد الطعن سبيلا إليه من جهة من الجهات ، فيتعلق به .

وأما ما ظهر من بعض الحمقى من الطعن على زعمهم ، ومن تأويل بعضهم له ، كالباطنية ، فقد رد عليهم علماء الإسلام وأظهروا حماقاتهم .

وقال قتادة : الباطل الشيطان ، واللفظ لا يخص الشيطان . وقال ابن جبير والضحاك : ( من بين يديه ) أي : كتاب من قبله فيبطله ، ولا من بعده فيكون على هذا ( الباطل ) في معنى المبطل نحو : أورس النبات فهو وارس ، أي : مورس ، أو يكون الباطل بمعنى المبطل مصدرا ، فيكون كالعافية .

وقيل : ( من بين يديه ) أي : قبل أن يتم نزوله ، ( ولا من خلفه ) : من بعد نزوله . وقيل عكس هذا . وقيل : ( من بين يديه ) : قبل أن ينزل ؛ لأن الأنبياء بشرت به ، فلم يقدر الشيطان أن يدحض ذلك ، ( ولا من خلفه ) : بعد أن أنزل .

وقال الطبري : ( من بين يديه ) : لا يقدر ذو باطل أن يكيده بتغيير ولا تبديل ، ولا من خلفه : لا يستطيع ذو باطل أن يلحد فيه .

( تنزيل ) أي : هو تنزيل ، ( من حكيم ) أي : حاكم أو محكم لمعانيه .

( حميد ) : محمود على ما أسدى لعباده من تنزيل هذا الكتاب وغيره من النعم .

( ما يقال لك ) : ( يقال ) مبني للمفعول ، فاحتمل أن يكون القائل الله تعالى ، كما تقدم تأويلها فيه ، أي : ما يوحي إليك الله إلا مثل ما أوحى إلى الرسل في شأن الكفار ، كما تأولناه على أحد الوجهين أو في الشرائع .

وجوزوا على أن القائل هو الله أن يكون ( إن ربك ) : تفسير لقوله : ( ما قد قيل ) ، فالمقول ( إن ربك لذو مغفرة ) للطائعين ، ( وذو عقاب أليم ) للعاصين ، وهذا التأويل فيه بعد ؛ لأنه حصر ما أوحى الله إليه وإلى الرسل في قوله : ( إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم ) ، وهو تعالى قد أوحى إليه وإليهم أشياء كثيرة .

فإذا أخذناه على الشرائع أو على عاقبة المكذبين كان الحصر صحيحا ، وكان قوله تعالى : ( إن ربك ) استئناف إخبار عنه تعالى لا تفسير لما قد قيل . ويحتمل أن يكون القائل الكفار ، أي : ما يقول لك كفار قومك إلا ما قد قال كفار الرسل لهم من الكلام المؤذي والطعن فيما أنزل الله عليهم من الكتب .

ثم أخبر تعالى أنه ذو مغفرة وذو عقاب أليم ، وفيه الترجئة بالغفران ، والزجر بالعقاب ، وهو وعظ وتهديد .

وقال قتادة : عزى الله نبيه وسلاه بقوله : ( ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك ) .

ومثله كذلك : ( ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون ) .

ولما ذكر تعالى الملحدين في آياته ، وأنهم لا يخفون عليه ، والكافرين بالقرآن ما دل على تعنتهم وما ظهر من تكذيبهم ، وقولهم : هلا أنزل بلغة العجم ؟ فقال : ( ولو جعلناه قرآنا أعجميا ) أي : لا يفصح ولا تبين معانيه لهم لكونه بلغة العجم أو بلغة غير العرب ، لم يتركوا [ ص: 502 ] الاعتراض ، و ( لقالوا لولا فصلت آياته ) أي : بينت لنا ، وأوضحت حتى نفهمها .

وقرأ الجمهور : آعجمي بهمزة الاستفهام بعدها مدة هي همزة أعجمي ، وقياسها في التخفيف التسهيل بين بين . وقرأ الأخوان ، والأعمش ، وحفص بهمزتين ، أي : وقالوا منكرين : أقرآن أعجمي ورسول عربي ؟ أو مرسل إليه عربي ؟ وتأوله ابن جبير أن معنى قوله : ( أأعجمي ) ، ونحن عرب ما لنا وللعجمة . وقال ابن عطية : لأنهم ينكرون ذلك فيقولون : لولا بين أعجمي وعربي مختلط هذا لا يحسن . انتهى .

ولا يصح هذا التقسيم ؛ لأنه بالنسبة للقرآن ، وهم إنما قالوا ما دل عليه قوله تعالى : ( ولو جعلناه قرآنا أعجميا ) ، من اقتراحهم أن يكون أعجميا ، ولم يقترحوا أن يكون القرآن أعجميا وعربيا . وقرأ الحسن ، وأبو الأسود ، والجحدري ، وسلام ، والضحاك ، وابن عباس ، وابن عامر بخلاف عنهما : أعجمي وعربي دون استفهام وسكون العين ، فقيل معناه : أنهم قالوا : أعجمة وإعراب ، إن هذا لشاذ .

وقال ابن جبير معناه : لولا فصل فصلين ، فكان بعضه أعجميا يفهمه العجم ، وبعضه عربيا يفهمه العرب . وقال صاحب اللوامح : لأنهم لما قالوا : ( لولا فصلت آياته ) ، أعادوا القول ثانيا فقالوا : ( أعجمي ) ، وأضمر المبتدأ ، أي : هو أعجمي ، والقرآن ، أو الكلام ، أو نحوها ، والذي أتى به ، أو الرسول عربي ، كأنهم كانوا ينكرون ذلك .

وقرأ عمرو بن ميمون : ( أعجمي ) بهمزة استفهام وفتح العين أن القرآن لو جاء على طريقة كائنة كانوا تعنتوا ؛ لأنهم لا يطلبون الحق .

وقال صاحب اللوامح : والعجمي المنسوب إلى العجم ، والياء للنسب على الحقيقة ; وأما إذا سكنت العين فهو الذي لا يفصح ، والياء فيه بلفظ النسب دون معناه ، فهو بمنزلة ياء كرسي وبختي ، والله أعلم . انتهى .

وليست كياء كرسي بنيت الكلمة عليها ، وياء أعجمي لم تبن الكلمة عليها . تقول العرب : رجل أعجم ورجل أعجمي ، فالياء للنسبة الدالة على المبالغة في الصفة ، نحو : أحمري ودواري مبالغة في أحمر ودوار .

وقال الزمخشري : ( فإن قلت ) : كيف يصح أن يراد بالعربي المرسل إليهم وهم أمة العرب ؟ ( قلت ) : هو على ما يجب أن يقع في إنكار المنكر لو رأى كتابا عجميا كتب إلى قوم من العرب يقول : أكتاب عجمي والمكتوب إليه عربي ؟ لأن نسخ الإنكار على تنافر حالتي الكتاب والمكتوب إليه ، لا على أن المكتوب إليه واحد وجماعة ; فوجب أن يجرد لما سيق له من الغرض ، ولا يوصل به غرضا آخر .

ألا تراك تقول وقد رأيت لباسا طويلا على امرأة قصيرة : اللباس طويل واللابس قصير ؟ ولو قلت : واللابسة قصيرة ، جئت بما هو لكنة وفضول قول ؛ لأن الكلام لم يقع في ذكورة اللابس وأنوثته ، إنما وقع في غرض وراءهما . انتهى ، وهو حسن ، إلا أن فيه تكثيرا على عادته في حب الشقشقة والتفهيق .

( قل هو ) أي : القرآن ، ( للذين آمنوا هدى وشفاء ) ، هدى أي : إرشاد إلى الحق ، وشفاء أي : لما في الصدور من الظن والشك .

والظاهر أن ( والذين لا يؤمنون ) مبتدأ ، و ( في آذانهم وقر ) هو موضع الخبر .

وقال الزمخشري : هو في آذانهم وقر على حذف المبتدأ لما أخبر أنه هدى وشفاء للمؤمنين ، أخبر أنه وقر وصمم في آذانهم ، أي : الكافرين ، ولا يضطر إلى إضمار هو ، فالكلام تام دونه أخبر أن في آذانهم صمما عن سماعهم .

ثم أخبر أنه عليهم عمى ، يمنعهم من إبصار حكمته والنظر في معانيه والتقرير لآياته ، وجاء بلفظ عليهم الدالة على استيلاء العمى عليهم ، وجاء في حق المؤمنين باللام الدالة على الاختصاص .

وكون ( والذين ) في موضع جر عطفا على قوله : ( للذين آمنوا ) ، والتقدير : وللذين لا يؤمنون وقر في آذانهم - إعراب متكلف ، وهو من العطف على عاملين ، وفيه مذاهب كثيرة في النحو ، والمشهور منع ذلك .

وقرأ الجمهور : عمى بفتح الميم منونا : مصدر عمي . وقرأ ابن عمرو ، وابن عباس ، وابن الزبير ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وعمرو بن العاص ، [ ص: 503 ] وابن هرمز : بكسر الميم وتنوينه .

وقال يعقوب القارئ ، وأبو حاتم : لا ندري نونوا أم فتحوا الياء ، على أنه فعل ماض وبغير تنوين ، رواها عمرو بن دينار وسليمان بن قتيبة عن ابن عباس . والظاهر أن الضمير في ( وهو عليهم ) عائد على القرآن ، وقيل : يعود على الوقر .

( أولئك ) إشارة إلى الذين لا يؤمنون ، ومن جعله خبرا ، لأن الذين كفروا كانت الإشارة إليهم .

( ينادون من مكان بعيد ) ، قيل : هو حقيقة . قال الضحاك : ينادون بكفرهم وقبح أعمالهم بأقبح أسمائهم من بعد ، حتى يسمع ذلك أهل الموقف فتعظم السمعة عليهم ويحل المصاب . وقال علي ، ومجاهد : استعارة لقلة فهمهم ، شبههم بالرجل ينادى من بعد ، فيسمع الصوت ولا يفهم تفاصيله ولا معانيه . وحكى أهل اللغة أنه يقال للذي لا يفهم : أنت تنادى من بعيد ، أي : كأنه ينادى من موضع بعيد ، فهو لا يسمع النداء ولا يفهمه . وحكى النقاش : كأنما ينادون من السماء .

( ولقد آتينا موسى الكتاب ) تسلية للرسول في كون قومه اضطربوا فيما جاء به من الذكر ، فذكر أن موسى - عليه السلام - أوتي الكتاب ، وهو التوراة ; فاختلف فيه . وتقدم شرح هذه الآية في أواخر سورة هود - عليه السلام - والكلام على نظير ( وما ربك بظلام للعبيد ) في قوله في سورة الحج : ( وأن الله ليس بظلام للعبيد ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية