الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
59 حديث حاد وخمسون لهشام بن عروة

مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الاستطابة فقال : أولا يجد أحدكم ثلاثة أحجار .

[ ص: 308 ]

التالي السابق


[ ص: 308 ] هكذا روى هذا الحديث عن مالك جماعة الرواة مرسلا إلا ما ذكره سحنون في رواية بعض الشيوخ عنه ، عن ابن القاسم ، عن مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، وقد روي عن ابن بكير أيضا في الموطأ هكذا : عن مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، وهذا غلط فاحش ولم يروه أحد كذلك لا من أصحاب هشام ولا من أصحاب مالك ، ولا رواه أحد ، عن عروة ، عن أبي هريرة ، وإنما رواه بعض أصحاب عروة ، عن عروة ، عن عائشة ، وهو مسلم بن قرط ، وأما هشام بن عروة فاختلف عليه فيه : فطائفة ترويه عنه ، عن أبيه مرسلا ، كما رواه مالك ، وطائفة ترويه عنه ، عن عمرو بن خزيمة المدني ، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت ، عن خزيمة بن ثابت ، وطائفة ترويه عنه ، عن أبي وجزة ، عن عمارة بن خزيمة ، عن أبيه خزيمة بن ثابت .

حدثنا عبد العزيز بن عبد الرحمن ومحمد بن إبراهيم قالا : حدثنا أحمد بن مطرف ، حدثنا سعيد بن عثمان ، حدثنا أحمد بن عبد الله بن صالح ، حدثنا حسين بن علي الجعفي ، حدثنا زائدة ، عن هشام بن عروة ، عن عمرو بن خزيمة المزني ، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت الأنصاري ، عن أبيه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ثلاثة أحجار ليس ( فيهن ) رجيع - يعني الاستطابة - وفي إسناد هذا الحديث اضطراب ( كثير ) .

حدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا عبدة بن سليمان ، عن هشام بن عروة ، عن عمرو بن خزيمة ، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت ، عن خزيمة بن ثابت قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : في الاستطابة ثلاثة أحجار ليس فيها رجيع .

[ ص: 309 ] وكذلك رواه أبو معاوية وابن أسامة ، عن هشام بن عروة بمثل هذا الإسناد ، ورواه عبد الرزاق ، عن ابن عيينة ، عن هشام بن عروة ، عن أبي وجزة ، عن خزيمة بن ثابت ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله .

ورواه إبراهيم بن المنذر الخزامي ، عن ابن عيينة ، عن هشام بن عروة ، عن أبي وجزة ، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله .

ورواه عن ابن عيينة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا مثل رواية مالك ، وكذلك رواه ابن جريج ، عن هشام ، عن أبيه مرسلا مثل رواية مالك .

ورواه معمر ، عن هشام بن عروة ، عن رجل من مزينة ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : في الاستطابة ثلاثة أحجار عند الخلاء ، ليس منهن رجيع والرجيع الذي ينتن . ورواه الفضل بن فضالة ، عن هشام بن عروة ، عن عمرو بن خزيمة ، عن عمارة بن خزيمة .

أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى قال : حدثنا أحمد بن سعيد قال : حدثنا محمد بن زبان قال : حدثنا زكرياء بن يحيى بن صالح قال : حدثنا المفضل بن فضالة ، عن هشام بن عروة أن عمرو بن خزيمة المزني أخبره أن عمارة بن خزيمة الأنصاري أخبره ، عن أبيه خزيمة بن ثابت ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ثلاثة أحجار ليس فيها رجيع - يعني في الاستطابة - .

وروى ابن المبارك ، عن هشام بن عروة الحديثين جميعا ، فدل على أنهما حديثان وبان به ذلك ، والحمد لله .

قرأت على عبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال : حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال : حدثنا نعيم بن حماد قال : حدثنا ابن المبارك [ ص: 310 ] قال : أخبرنا هشام بن عروة - يعني الحجر مرتين - قال ابن المبارك : وأخبرنا هشام بن عروة ، عن أبيه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أولا يجد أحدكم ثلاثة أحجار ؟ .

قال أبو عمر : جود ابن المبارك هذا الحديث بالإسنادين وما زال مجودا - رضي الله عنه - ، وقد ذكر عبد الرزاق ، عن ابن عيينة الحديثين جميعا ، عن هشام ، عن أبيه مرسلا .

وعن هشام ، عن أبي وجزة ، عن خزيمة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

قال أبو عمر : قوله - صلى الله عليه وسلم - : ليس فيها رجيع يرد قول الطبري حيث قال : كل طاهر وكل نجس أزال النجو أجزأ ، ويرده أيضا حديث ابن مسعود ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ رمى بالروثة وقال هي رجس أو ركس ، والذي عليه جمهور الفقهاء أنه لا يجوز الاستنجاء من الأحجار وما قام مقامها ، وقد مضى في باب ابن شهاب ما للعلماء في هذا الباب كله من التنازع واختلاف المذاهب ، والحمد لله .

وأما رواية مسلم بن قرط ، عن عروة في هذا الحديث ، فأخبرنا عبد الله بن محمد بن يحيى قال : حدثنا محمد بن بكر بن داسة قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا سعيد بن منصور وقتيبة بن سعيد قالا : حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن ، عن أبي حازم ، عن مسلم بن قرط ، عن عروة ، عن عائشة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطيب بها ، فإنها تجزئ عنه .

[ ص: 311 ] وحدثنا محمد بن إبراهيم قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا أحمد بن شعيب قال : أخبرني قتيبة بن سعيد قال : حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن وعبد العزيز بن أبي حازم ، ، عن أبي حازم ، عن مسلم بن قرط ، عن عروة ، عن عائشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله .

قال أبو عمر : روى في هذا الباب جماعة من الصحابة فيهم أبو أيوب وسليمان وأبو هريرة ، وأثبتها حديث أبي هريرة وسلمان ، وكلها حسان ، قال الأخفش : الاستطابة الاستنجاء بالأحجار ، يقال منه استطاب الرجل وأطاب إذا استنجى ، ويقال : رجل مطيب ، إذا فعل ذلك ، قال الشاعر وهو الأعشى :


يا رخما قاظ على مطلوب يعجل كف الخاري المطيب



( وأما قوله : قاظ ، فإنه أراد قام عليه في القيظ في اليوم الصائف ) .

قال أبو عمر : الاستطابة والاستنجاء والاستجمار معنى هذه الثلاثة ألفاظ واحد ، وقد فسرنا معنى الاستجمار في اللغة والفقه ، وما للعلماء في الاستنجاء من المذاهب في أصول مسائله وفروعها مبسوطا ممهدا في باب ابن شهاب ، عن أبي إدريس الخولاني ، فلا وجه لتكرير ذلك هاهنا .

حدثنا خلف بن القاسم قال : حدثنا أبو الفوارس أحمد بن محمد السندي قال : حدثنا الربيع بن سليمان قال : حدثنا بشر بن بكر قال : حدثنا الأوزاعي قال : حدثني عثمان بن أبي سودة قال : حدثني أبو شعيب الحضرمي [ ص: 312 ] قال : سمعت أبا أيوب الأنصاري الذي نزل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا تغوط أحدكم فليستنج بثلاثة أحجار ، فإن ذلك طهوره .

وحدثنا خلف بن القاسم قال : حدثنا بكير بن الحسن الرازي قال : حدثنا بكار بن قتيبة القاضي قال : حدثنا صفوان بن عيسى قال : حدثنا محمد بن عجلان ، عن القعقاع بن حكيم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنما أنا لكم مثل أعلمكم ، فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ، وإذا استطاب فلا يستطيب بيمينه ، وكان يأمر بثلاثة أحجار وينهى ، عن الروث والرمة .

وقرأت على عبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال : حدثنا علي بن عبد العزيز قال : حدثنا هدبة بن خالد قال : حدثنا حماد بن الجعد ، حدثنا قتادة ، حدثني خالد بن السائب الجهني ، ، عن أبيه السائب أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا دخل أحدكم الخلاء فليتمسح بثلاثة أحجار .

قال أبو عمر : هذه الآثار كلها والمرسل منها والمسند وهي صحاح كلها يوجب الاقتصار على ثلاثة أحجار في الاستنجاء دون تقصير عن هذا العدد ، وهذا موضع اختلف فيه العلماء ، فذهب مالك وأبو حنيفة وأصحابهما إلى أنه جائز الاستنجاء بأقل من ثلاثة أحجار إذا ذهب النجو ، هذا هو المشهور من مذهب مالك لقوله - صلى الله عليه وسلم - : من استجمر فليوتر ، والوتر قد يكون واحدا وثلاثة وخمسة وأكثر من ذلك .

[ ص: 313 ] وقال الشافعي وأحمد بن حنبل وجماعة : لا يجوز أن يقتصر على أقل من ثلاثة أحجار في الاستنجاء ، وذكر أبو الفرج أنه مذهب مالك ، واحتج له بحديث أبي هريرة المذكور في هذا الباب وحديث سلمان .

حدثنا محمد بن إبراهيم قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا أحمد بن شعيب قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال : أخبرنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن سلمان ، قال له رجل : إن صاحبكم ليعلمكم حتى الخراءة ، قال : أجل ، نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول ، أو نستنجي بأيماننا ، أو نكتفي بأقل من ثلاثة أحجار .

قال أبو عمر : تحصيل مذهب مالك عند أصحابه أن الاستنجاء بثلاثة أحجار حسن ، والوتر فيها حسن ، لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : من أوتر - يعني في ذلك - فقد أحسن ، ومن لا فلا حرج ، وجائز عندهم الاقتصار على أقل من ثلاثة أحجار ؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتي بحجرين وروثة ، فأخذ الحجرين ورمى الروثة ولم يدع بالبدل منها ، ومذهب أبي حنيفة في الاستنجاء نحو مذهب مالك سواء ، قال أصحابه : يستنجي بثلاثة أحجار ، فإن لم ينق زاد حتى ينقي ، وإن أنقى حجر واحد أجزى ، وكذلك غسله بالماء ( إن أنقى بغسلة واحدة أجزأه في المخرج ، وما عدا المخرج فإنما يغسل بالماء ) ، وهو قول مالك والشافعي وأصحابهما فيما عدا المخرج من النجو أنه لا يطهره إلا الماء .

وقد ذكرنا أحكام الاستنجاء وكثيرا من مسائله مستوعبة مجودة في باب ابن شهاب ، عن أبي إدريس من هذا الكتاب ، والحمد لله .




الخدمات العلمية