الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ص: 855 ] كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون بهذه الجملة الكريمة السامية ختم الله سبحانه وتعالى الآيات المتعلقة بأحكام الأسرة ، وقد ابتدأ بيانها بقوله تعالى : ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون

                                                          وإن ذلك الختام الكريم فيه تصوير لبيان الله سبحانه وتعالى لأحكام الأسرة وشدة عنايته بأمرها ، وتوضيح الأسس الصالحة التي تقوم عليها ، والعدالة والمودة والرحمة التي تربط بين آحادها ، وكيف فصل سبحانه القول فيها تفصيلا لم يفصله في غيرها من شئون الدين ، فلم يبين الصلاة والزكاة والحج كما بين الله سبحانه في كتابه الكريم أحكام الأسرة والروابط التي تربط بين آحادها; لأن الأسرة قوام المجتمع الإسلامي الفاضل ، فإذا تزلزلت اضطرب ميزان الاجتماع ، وتهدمت أركانه .

                                                          كذلك يبين الله لكم آياته أي مثل هذا البيان القوي الواضح العالي الذي يوجه النفوس نحو المودة الرابطة ، والرحمة العاطفة ، والعدالة المنصفة ، يبين الله سبحانه وتعالى آياته المتلوة ، وآياته النفسية ، وآياته الكونية ; أي أن الله سبحانه وتعالى يبين دائما آياته المذكورة مثل البيان الذي يبين به أحكام الأسرة ; فهذا التشبيه لتصوير بيان الله دائما لآياته بهذه الصورة التي يقرأها القارئ لكتاب الله في آيات النكاح ، والطلاق ، وما يعقبه من التسريح بإحسان أو التسريح الجميل كما عبر القرآن الكريم .

                                                          لعلكم تعقلون وفي هذه العبارة السامية إشارة إلى الغاية من بيان الله سبحانه وتعالى لحقائق الشرع وتوجيه النظر إلى النفس وإلى الكون ، وتلك الغاية هي أن يعقل الناس أي يفكروا بعقولهم ، ويبعدوا عنها أرجاس الجاهلية ، ويحرروها من ربقة التقاليد القديمة التي كانوا يعبرون عنها بقولهم بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا والتعبير بصيغة الرجاء ، وهي لعلكم تعقلون هو في معنى التعليل أي لتعقلوا ; لأن الرجاء من الله سبحانه وتعالى لا يكون على معناه الأصلي ، [ ص: 856 ] أو يقال إن ذلك البيان من شأنه أن يرجى أن يعقلوا ويتفكروا ، فالتعبير بلفظ يدل على الرجاء للإشارة إلى هذا المعنى المحكم .

                                                          هذا وإن أحكام الأسرة كما جاءت في الآيات الكريمة باعثة على التأمل وإحكام النظر ، والإيمان بأن هذه الشريعة من عند اللطيف الخبير ، والله سبحانه وتعالى بكل شيء عليم .

                                                          * * *

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية