الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                  قوله تعالى : ( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ) الآية [ 60 ] .

                                                                                                                                                                  [ ص: 84 ] 328 - أخبرنا سعيد بن محمد العدل قال : أخبرنا أبو عمرو بن حمدان قال : أخبرنا الحسن بن سفيان قال : حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري قال : حدثنا أبو اليمان قال : حدثنا صفوان بن عمرو ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كان أبو بردة الأسلمي كاهنا يقضي بين اليهود فيما يتنافرون فيه ، فتنافر إليه أناس من أسلم ، فأنزل الله تعالى : ( ألم تر إلى الذين يزعمون ) إلى قوله : ) وتوفيقا ( .

                                                                                                                                                                  329 - أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم قال : حدثنا أبو صالح شعيب بن محمد قال : حدثنا أبو حاتم التميمي قال : حدثنا أبو الأزهر قال : حدثنا رويم قال : حدثنا سعيد عن قتادة قال : ذكر لنا أن هذه الآية أنزلت في رجل من الأنصار يقال له : قيس ، وفي رجل من اليهود - في مدارأة كانت بينهما في حق تدارآ فيه ، فتنافرا إلى كاهن بالمدينة ليحكم بينهما ، وتركا نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فعاب الله تعالى ذلك عليهما ، وكان اليهودي يدعوه إلى نبي الله ، وقد علم أنه لن يجور عليه ، وجعل الأنصاري يأبى عليه ، وهو يزعم أنه مسلم ، ويدعوه إلى الكاهن . فأنزل الله تعالى ما تسمعون ، وعاب على الذي يزعم أنه مسلم ، وعلى اليهودي الذي هو من أهل الكتاب - فقال : ( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك ) إلى قوله : ( يصدون عنك صدودا ) .

                                                                                                                                                                  330 - أخبرني محمد بن عبد العزيز المروزي في كتابه ، قال : أخبرنا محمد بن الحسين قال : أخبرنا محمد بن يحيى قال : أخبرنا إسحاق الحنظلي قال : أخبرنا المؤمل قال : حدثنا يزيد بن زريع ، عن داود ، عن الشعبي قال : كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة ، فدعا اليهودي المنافق إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه علم أنه لا يقبل الرشوة ، ودعا المنافق اليهودي إلى حكامهم ، لأنه علم أنهم يأخذون الرشوة في أحكامهم . فلما اختلفا اجتمعا على أن يحكما كاهنا في جهينة ، فأنزل الله تعالى في ذلك : ( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك ) يعني المنافق ( وما أنزل من قبلك ) يعني اليهودي : ( يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت ) إلى قوله : ( ويسلموا تسليما ) .

                                                                                                                                                                  331 - وقال الكلبي عن أبي صالح ، عن ابن عباس : نزلت في رجل من المنافقين كان بينه وبين يهودي خصومة ، فقال اليهودي : انطلق بنا إلى محمد ، وقال المنافق : بل نأتي كعب بن الأشرف - وهو الذي سماه الله تعالى الطاغوت - فأبى اليهودي إلا أن يخاصمه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فلما رأى المنافق ذلك أتى معه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاختصما إليه ، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لليهودي . فلما خرجا من عنده لزمه المنافق وقال : ننطلق إلى عمر بن الخطاب فأقبلا إلى عمر ، فقال اليهودي : اختصمنا أنا وهذا إلى محمد فقضى لي عليه ، فلم يرض بقضائه ، وزعم أنه مخاصم إليك ، وتعلق بي فجئت معه ، فقال عمر للمنافق : أكذلك ؟ قال : نعم ، فقال لهما : رويدا حتى أخرج إليكما . فدخل عمر [ البيت ] وأخذ السيف فاشتمل عليه ، ثم خرج إليهما وضرب به المنافق حتى برد وقال : هكذا أقضي [ ص: 85 ] لمن لم يرض بقضاء الله وقضاء رسوله . وهرب اليهودي ، ونزلت هذه الآية . وقال جبريل - عليه السلام - : " إن عمر فرق بين الحق والباطل ، فسمي الفاروق .

                                                                                                                                                                  332 - وقال السدي : كان ناس من اليهود أسلموا ونافق بعضهم ، وكانت قريظة والنضير في الجاهلية إذا قتل رجل من بني قريظة رجلا من بني النضير قتل به وأخذ ديته مائة وسق من تمر ، وإذا قتل رجل من بني النضير رجلا من قريظة لم يقتل به ، وأعطي ديته ستين وسقا من تمر ، وكانت النضير حلفاء الأوس . وكانوا أكبر وأشرف من قريظة ، وهم حلفاء الخزرج ، فقتل رجل من النضير رجلا من قريظة ، واختصموا في ذلك ، فقالت بنو النضير : إنا وأنتم [ كنا ] اصطلحنا في الجاهلية على أن نقتل منكم ولا تقتلوا منا ، وعلى أن ديتكم ستون وسقا - والوسق : ستون صاعا - وديتنا مائة وسق ، فنحن نعطيكم ذلك . فقالت : الخزرج : هذا شيء كنتم فعلتموه في الجاهلية ، لأنكم كثرتم وقللنا فقهرتمونا ، ونحن وأنتم اليوم إخوة وديننا ودينكم واحد ، وليس لكم علينا فضل . فقال المنافقون : انطلقوا إلى أبي بردة الكاهن الأسلمي ، وقال المسلمون : لا بل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - . فأبى المنافقون وانطلقوا إلى أبي بردة ليحكم بينهم ، فقال : أعظموا اللقمة - يعني الرشوة - فقالوا : لك عشرة أوسق ، قال : لا بل مائة وسق ديتي ، فإني أخاف إن نفرت النضيري قتلتني قريظة ، وإن نفرت القريظي قتلتني النضير ، فأبوا أن يعطوه فوق عشر أوسق ، وأبى أن يحكم بينهم . فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - كاهن أسلم إلى الإسلام ، فأبى فانصرف ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لابنيه : أدركا أباكما فإنه إن جاوز عقبة كذا لم يسلم أبدا ، فأدركاه فلم يزالا به حتى انصرف وأسلم ، وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - مناديا فنادى : ألا إن كاهن أسلم قد أسلم .

                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية