الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ ص: 81 ] فصل أما إذا انضم إلى قول الصحابي القياس ففيه مسألتان : إحداهما : إذا تعارض قول صحابيين واعتضد أحدهما بالقياس . وقد سبقت عن النص . . الثانية : إذا تعارض قياسان واعتضد أحدهما بقول الصحابي ، فحكى الرافعي عن الغزالي أنه قد قيل تميل نفس المجتهد إلى ما يوافق قول الصحابي ويرجح عنده . قال النووي : وقد صرح الشيخ في اللمع " وغيره من الأصحاب بالجزم بالموافق انتهى .

                                                      وأنا أقول : من يرى أن قول الصحابي بمفرده حجة مقدمة على القياس يكون احتجاجه هنا بقول الصحابة بطريق الأولى . ومن يرى أنه ليس بحجة فإما أن يكون القياسان صحيحين متساويين أو لا ، فإن كانا كذلك ولم يترجح أحدهما على الآخر بمرجح في الأصل أو حكمه ، أو في العلة ، أو دليلها ، أو في الفرع ، فالظاهر أن القياس المعتضد بقول الصحابي مقدم ، ويكون ذلك من الترجيحات بالأمور الخارجية ، كما ترجح أحد الخبرين المعارضين بعمل بعض الصحابة دون الآخر . وأما إذا كان أحد القياسين مرجحا على الآخر في شيء مما ذكرنا ، ومع المرجوح قول بعض الصحابة فهذا محل النظر على القول بأن قوله ليس بحجة ، والاحتمال منقدح . وقد تقدم حكاية ابن الصباغ عن بعض أصحابنا أن القياس الضعيف إذا اعتضد بقول الصحابي يقدم على القياس القوي ، وذاك هنا بطريق الأولى ، وتقدم نقل الماوردي عن الشافعي أن رأيه في الجديد أن قياس التقريب إذا انضم إلى قول الصحابي كان أولى من قياس التحقيق ، ومثل الماوردي قياس التقريب بما ذكره الشافعي في مسألة البيع بشرط البراءة من [ ص: 82 ] العيوب أن الحيوان يفارقه ما سواه ، لأنه يغتذى بالصحة والسقم ، وتحول طبائعه ، وقلما يخلو من عيب وإن خفي فلا يمكن الإخبار عن عيوبه الخفية بالإشارة إليها والوقوف عليها ، وليس كذلك غير الحيوان ، لأنه قد يخلو من العيوب ويمكن الإخبار فيها بالإشارة إليها لظهورها ، فدل على افتراق الحيوان وغيره من جهة المعنى ، مع ما روي معه من قصة عثمان . وحاصله - على ما نقله الماوردي عن الجديد من مذهب الشافعي - أن القياس المرجوح إذا اعتضد بقول الصحابي كان مقدما على القياس الراجح ، فيحتمل أن يكون هذا تفريعا منه على أن قول الصحابي حجة ، كما تقدم عنه في " الرسالة الجديدة " ويحتمل أن يكون على القول الآخر الذي اشتهر عند الأصحاب عن الجديد أنه ليس بحجة .

                                                      وهو ظاهر كلام الماوردي ، وقد ترجم القاضي في " التقريب " لهذه المسألة ، وحكى خلاف القياس ، وأنه هل يترجح قول الصحابي بذلك القياس الضعيف على القياس القوي ، أو يجب العمل بأقوى القياسين ؟ ثم رجح هذا الثاني .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية