الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                وأما بيان ما يثبت به الرضاع أي : يظهر به فالرضاع يظهر بأحد أمرين : أحدهما الإقرار والثاني البينة .

                                                                                                                                أما الإقرار فهو أن يقول لامرأة تزوجها : هي أختي من الرضاع أو أمي من الرضاع أو بنتي من الرضاع ويثبت على ذلك ويصبر عليه فيفرق بينهما ; لأنه أقر ببطلان ما يملك إبطاله للحال فيصدق فيه على نفسه ، وإذا صدق لا يحل له وطؤها والاستمتاع بها فلا يكون في إبقاء النكاح فائدة فيفرق بينهما سواء صدقته أو كذبته ; لأن الحرمة ثابتة في زعمه ، ثم إن كان قبل الدخول بها فلها نصف المهر إن كذبته ; لأن الزوج مصدق على نفسه لا عليها بإبطال حقها في المهر وإن كان بعد الدخول بها فلها كمال المهر والنفقة والسكنى ; لأنه غير مصدق بإبطال حقها فإن أقر بذلك ثم قال : أوهمت أو أخطأت أو غلطت أو نسيت أو كذبت ; فهما على النكاح ، ولا يفرق بينهما عندنا وقال مالك والشافعي يفرق بينهما ولا يصدق على الخطأ وغيره ، وجه قولهما أنه أقر بسبب الفرقة فلا يملك الرجوع كما لو أقر بالطلاق ثم رجع بأن قال لامرأته : كنت طلقتك ثلاثا ثم قال : أوهمت ، والدليل عليه أنه لو قال لأمته : هذه امرأتي أو أمي أو أختي أو ابنتي ثم قال : أوهمت ; أنه لا يصدق وتعتق كذا ههنا ولنا أن الإقرار إخبار فقوله : هذه أختي إخبار منه أنها لم تكن زوجته قط لكونها محرمة عليه على التأبيد .

                                                                                                                                فإذا قال : أوهمت ; صار كأنه قال : ما تزوجتها ثم قال : تزوجتها وصدقته المرأة ولو قال ذلك ; يقران على النكاح كذا هذا بخلاف الطلاق ; لأن قوله : كنت طلقتك ثلاثا إقرار منه بإنشاء الطلاق الثلاث من جهته ولا يتحقق إنشاء الطلاق إلا بعد صحة النكاح فإذا أقر ثم رجع عنه لم يصدق وبخلاف قوله لأمته : هذه أمي أو ابنتي ; لأن ذلك لا يقتضي نفي الملك في الأصل .

                                                                                                                                ألا ترى أنها لو كانت أمه أو ابنته حقيقة ; جاز دخولها في ملكه حتى يقع العتق عليها من جهته ، فتضمن هذا اللفظ منه إنشاء العتق عليها فإذا قال : أوهمت لا يصدق كما لو قال : هذه حرة ثم قال : أوهمت وكذلك إذا أقر الزوج بهذا قبل النكاح فقال هذه أختي من الرضاع أو أمي أو ابنتي وأصر على ذلك وداوم عليه ; لا يجوز له أن يتزوجها ولو تزوجها يفرق بينهما ، ولو قال : أوهمت أو غلطت جاز له أن يتزوجها عندنا لما قلنا ولو جحد الإقرار فشهد شاهدان على إقراره فرق بينهما وكذلك إذا أقر بالنسب فقال : هذه أمي من النسب أو ابنتي أو أختي وليس لها نسب معروف وأنها تصلح بنتا له أو أما له فإنه يسأل مرة أخرى فإن أصر على ذلك وثبت عليه يفرق بينهما لظهور النسب بإقراره مع إصراره عليه وإن قال : أوهمت أو أخطأت أو غلطت ; يصدق ولا يفرق بينهما عندنا لما قلنا ، وإن كان لها نسب معروف أو لا تصلح أما أو بنتا له ; لا يفرق بينهما وإن دام على ذلك ; لأنه كاذب في إقراره بيقين ، والله أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية