الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          [ ص: 577 ] [ ص: 578 ] [ ص: 579 ] الباب الثالث :

          في حكم من سب الله - تعالى - ، وملائكته وكتبه وأنبياءه وآل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه وصحبه

          الفصل الأول : حكم ساب الله تعالى واستتابته

          لا خلاف أن ساب الله - تعالى - من المسلمين كافر حلال الدم . واختلف في استتابته ، فقال ابن القاسم في المبسوط ، وفي كتاب ابن سحنون ، ومحمد ، ورواه ابن القاسم عن مالك في كتاب إسحاق بن يحيى : من سب الله - تعالى - من المسلمين قتل ، ولم يستتب إلا أن يكون افتراء على الله بارتداده إلى دين دان به ، وأظهره فيستتاب ، وإن لم يظهره لم يستتب .

          وقال في المبسوطة مطرف وعبد الملك مثله .

          وقال المخزومي ومحمد بن سلمة ، وابن أبي حازم : لا يقتل المسلم بالسب حتى يستتاب .

          وكذلك اليهودي والنصراني ، فإن تابوا قبل منهم ، وإن لم يتوبوا قتلوا ، ولا بد من الاستتابة ، وذلك كله كالردة ، وهو الذي حكاه القاضي ابن نصر عن المذهب .

          وأفتى أبو محمد بن أبي زيد فيما حكي عنه في رجل لعن رجلا ، ولعن الله ، فقال : إنما أردت أن ألعن الشيطان فزل لساني ، فقال : يقتل بظاهر كفره ، ولا يقبل عذره .

          وأما فيما بينه ، وبين الله - تعالى - فمعذور .

          واختلف فقهاء قرطبة في مسألة هارون بن حبيب أخي عبد الملك الفقيه ، وكان ضيق الصدر كثير التبرم ، وكان قد شهد عليه بشهادات ، منها أنه قال عند استلاله من مرض : لقيت في مرضي هذا ما لو قتلت أبا بكر وعمر لم أستوجب هذا كله .

          فأفتى إبراهيم بن حسين بن خالد بقتله ، وأن مضمن قوله تجوير لله - تعالى - ، وتظلم منه ، والتعريض فيه كالتصريح .

          وأفتى أخوه عبد الملك بن حبيب ، وإبراهيم بن حسين بن عاصم ، وسعيد بن سليمان القاضي بطرح القتل عنه ، إلا أن القاضي رأى عليه التثقيل في الحبس والشدة في الأدب ؛ لاحتمال [ ص: 580 ] كلامه وصرفه إلى التشكي ، فوجه من قال في ساب الله بالاستتابة أنه كفر ، وردة محضة لم يتعلق بها حق لغير الله ، فأشبه قصد الكفر بغير سب الله ، وإظهار الانتقال إلى دين آخر من الأديان المخالفة للإسلام .

          ووجه ترك استتابته أنه لما ظهر منه ذلك بعد إظهار الإسلام قبل اتهمناه ، وظننا أن لسانه لم ينطق به إلا وهو معتقد له ، إذ لا يتساهل في هذا أحد ، فحكم له بحكم الزنديق ، ولم تقبل توبته ، وإذا انتقل من دين إلى آخر ، وأظهر السب بمعنى الارتداد فهذا قد أعلم أنه خلع ربقة الإسلام من عنقه ، بخلاف الأول المتمسك به ، وحكم هذا حكم المرتد : يستتاب على مشهور مذاهب أكثر أهل العلم ، وهو مذهب مالك ، وأصحابه على ما بيناه قبل ، وذكرنا الخلاف في فصوله .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية