الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 427 ] بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                      بقية سورة آل عمران وأوائل سورة النساء الجزء الرابع

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 429 ] بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                      يتألف هذا الجزء من بقية سورة آل عمران، ومن أوائل سورة النساء، إلى قوله تعالى: والمحصنات من النساء ... .

                                                                                                                                                                                                                                      وهذه البقية من سورة آل عمران تتألف من أربعة مقاطع رئيسية، تكمل خط سير السورة، الذي أفضنا في الحديث عنه في مطلعها - في الجزء الثالث - بما لا مجال لإعادته هنا، فيرجع إليه هناك..

                                                                                                                                                                                                                                      فأما المقطع الأول فيمثل طرفا من المعركة الجدلية بين أهل الكتاب والجماعة المسلمة في المدينة ، في تلك الفترة التي رجحنا أن السورة تناولت أحداثها في حياة الجماعة المسلمة - من بعد غزوة بدر في رمضان من العام الثاني للهجرة إلى ما بعد غزوة أحد في شوال من العام الثالث.. هذه المعركة التي شغلت ما مر من السورة كله.

                                                                                                                                                                                                                                      والتي كانت مجالا لتجلية حقيقة التصور الإيماني وحقيقة "الدين" ، وحقيقة "الإسلام" ، وحقيقة منهج الله الذي جاء به الإسلام، وجاء به من قبل كل رسول. كما كانت مجالا لكشف حقيقة أهل الكتاب الذين يجادلون النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن معه ويحاورونهم; وكشف مدى انحرافهم عن دين الله; وفضح تدبيرهم للجماعة المسلمة في المدينة ، والدوافع الكامنة وراء هذا التدبير; ثم تحذير الجماعة المسلمة من هذا كله، بعد تسليط الأنوار عليه، وتجسيم خطره على الجماعة المسلمة لو غفلت عنه، واستجابت لأعدائها فيه.

                                                                                                                                                                                                                                      وأما المقطع الثاني - وهو يشغل مساحة كبيرة من السورة كذلك - فهو نقلة إلى معركة أخرى ليست باللسان والكيد والتدبير فقط; ولكنها كذلك بالسيف والرمح والسنان. نقلة إلى غزوة أحد وأحداثها والتعقيبات عليها . في أسلوب هو أسلوب القرآن وحده! وقد نزلت الآيات بعد المعركة; فكانت مجالا لتجلية نواح متعددة من التصور الإيماني; كما كانت مجالا لتربية الجماعة المسلمة على ضوء المعركة، وعلى ضوء ما كشفته من أخطاء في التصور، واضطراب في التصرف، وخلل في الصف.. وفرصة لتوجيه الجماعة المسلمة إلى المضي في طريقها، واحتمال تبعاتها، والارتفاع إلى مستوى الأمانة الضخمة التي ناطها الله بها، والوفاء بشكر نعمة الله عليها في اصطفائها لهذا الأمر العظيم.

                                                                                                                                                                                                                                      والمقطع الثالث عودة إلى أهل الكتاب ، ونكولهم عن مواثيقهم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - تلك المواثيق التي كان قد عقدها معهم أول مقدمه إلى المدينة ; والتنديد بانحراف تصوراتهم، وما اجترحوه من الآثام مع أنبيائهم كذلك. ثم تحذير الجماعة المسلمة من متابعتهم، وتثبيت القلوب المؤمنة على ما ينالها من الابتلاء في النفس والمال، وإيذاء أهل الكتاب والمشركين وتهوين شأن أعدائها على كل حال. [ ص: 430 ] والمقطع الأخير يرسم صورة لحال المؤمنين مع ربهم ، تمثل دبيب الإيمان في قلوبهم حين يواجهون آيات الله في الكون، ويتجهون إلى ربهم ورب هذا الكون بدعاء خاشع واجف. واستجابة ربهم لهم بالمغفرة وحسن الثواب. مع التهوين من شأن الكفار وما ينالونه من متاع قليل في هذه الأرض، ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد..

                                                                                                                                                                                                                                      وتختم السورة بدعوة من الله للذين آمنوا.. دعوة إلى الصبر والمصابرة والمرابطة والتقوى لعلهم يفلحون..

                                                                                                                                                                                                                                      هذه المقاطع الأربعة المتلاحمة في السياق تكمل ما سبق عرضه من السورة "في الجزء الثالث" وتسير مع خطوطها الرئيسية العريضة التي فصلنا الحديث عنها هناك.. وسنتناولها بتفصيل خاص عند مواجهتها في السياق.

                                                                                                                                                                                                                                      أما الشطر الثاني من هذا الجزء - وهو أوائل سورة النساء - فسنتحدث عنه - إن شاء الله - في موضعه.

                                                                                                                                                                                                                                      وبالله التوفيق..

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية