الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 504 ] ومن كتاب الغنائم

أخبرنا عبد الوهاب بن هبة الله وجماعة ، قالوا : أخبرنا أحمد بن الحسن ، أخبرنا أبو الغنائم محمد بن محمد ، أخبرنا عبد الله بن محمد الأسدي ، حدثنا زهير أبو الحسن علي بن الحسن ، أخبرنا أبو داود ، حدثنا أحمد بن يونس ، حدثنا الحسن بن الحر ، حدثنا الحكم ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينفل قبل أن تنزل فريضة الخمس في المغنم ، فلما نزلت : واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ترك النفل الذي كان ينفل ، وصار ذلك في خمس الخمس ، وسهم الله وسهم النبي - صلى الله عليه وسلم - .

هذا منقطع ، فإن صح فهو من قبيل نسخ السنة بالكتاب .

وقال أبو داود : أخبرنا محمود بن خالد ، حدثنا عبد الله - يعني ابن جعفر ، حدثنا عبيد الله ، عن زيد بن الحكم ، عن رجل ، عن أبيه في الأنفال فقال : يسألونك عن الأنفال وهي في قراءة عبد الله بن مسعود : " يسألونك الأنفال " ، قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينفل ما شاء من المغنم ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفل سعد بن مالك سلاح العاص بن سعيد يوم بدر ، وكان سعد قتل العاص ، ثم نسخ ذلك ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ) في قراءة عبد الله : " ( إنما غنمتم من شيء فلله وللرسول ) " فكان يؤخذ المغنم فيخرج خمسه ، فينفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خمس الخمس سهمه .

[ ص: 505 ] والإمام اليوم له أن ينفل من سهم الله والرسول ما شاء ، وإنما هو خمس الخمس ليس غيره .

[ ص: 506 ] باب أخذ السلب من غير بينة ، وما فيه من الاختلاف

أخذ سعد السلب - اختلاف أهل العلم - رأي لطائفة - رأي أهل الحديث - حديث أبي قتادة وأخذ السلب .

أخبرني محمود بن أبي القاسم بن عمر البغدادي ، أخبرنا طراد بن محمد في كتابه ، أخبرنا أحمد بن علي بن الحسن ، أخبرنا حامد بن محمد الهروي ، أخبرنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا أبو عبيد ، حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الشيباني ، عن أبي عون الثقفي ، عن سعد بن أبي وقاص ، قال : لما كان يوم بدر قتلت سعيد بن العاص ، وقال غيره : العاص بن سعيد .

قال أبو عبيد : هذا عندنا هو المحفوظ ؛ قتل العاص ، قال : وأخذت سيفه ، وكان يسمى ذا الكثيفة ، فأتيت به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد قتل أخي عمير قبل ذلك ، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اذهب به فألقه في القبض ، فرجعت وبي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي ، وأخذ سلبي ، فما جاوزت إلا قريبا حتى نزلت سورة الأنفال ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اذهب فخذ سيفك .

وقد اختلف أهل العلم في هذا الباب :

فذهب بعضهم إلى أن القاتل يعطى السلب إذا قال إنه قتله ، ولا يسأل على ذلك بينة ، وإليه ذهب الأوزاعي عملا بظاهر هذا الحديث ، وفي الباب أحاديث غير هذا .

[ ص: 507 ] وقالت طائفة من أهل الحديث : لا يعطى إلا ببينة ؛ لأنه مدع ، ورأت الحديث الذي ذكرناه منسوخا ؛ لأن هذا كان يوم بدر .

وقد ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال عام حنين : من قتل قتيلا عليه بينة فله سلبه .

أخبرنا أبو علي بن أبي الفتح الطبري ، أخبرنا أبو علي الحداد ، أخبرنا أبو نعيم ، حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا القعنبي ، عن مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن عمر بن كبير بن أفلح ، عن أبي محمد مولى أبي قتادة ، عن أبي قتادة ، قال : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام خيبر ، فلما التقينا كان للمسلمين جولة ، فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين بالسيف ، فاستدرت إليه حتى أتيت من ورائه فضربته على حبل عنقه ، فأقبل فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ، وأدركه الموت فأرسلني ، فلحقت عمر بن الخطاب فقال : ما للناس ؟ قلت : أمر الله ، ثم إن الناس رجعوا ، وجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه ، قال : فقمت ، فقلت : من يشهد لي ؟ ثم جلست ، ثم قال مثل ذلك ، قال : فقمت فقلت من يشهد لي ؟ ثم جلست ، ثم قال مثل ذلك الثالثة ، فقمت ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما لك يا أبا قتادة ؟ فقصصت عليه القصة ، فقال رجل من القوم : صدق يا رسول الله ، سلب ذلك القتيل عندي فأرضه من حقه . فقال أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - : لاها الله ؛ إذا لا نعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله وعن رسوله فنعطيك سلبه . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : صدق فأعطه إياه ، فأعطاني فبعت الدرع ، وابتعت مخرفا في بني سلمة ، فإنه لأول ما تأثلته في الإسلام .

هذا حديث صحيح ثابت من حديث المدنيين ، اتفقت أئمة الصحاح على إخراجه .

التالي السابق


الخدمات العلمية