الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                وفي الكتاب نظران .

                                                                                                                النظر الأول في أركانه : وهي ثلاثة :

                                                                                                                الركن الأول : المعتق ، وفي الجواهر : هو كل مكلف لا حجر عليه ، لأنه من باب الصدقة بالمال ، وفي الركن تسعة فروع :

                                                                                                                الأول ، في الكتاب : إذا قال العبد : كل عبد أملكه إلى ثلاثين سنة حر ، فعتق ، ثم ابتاع رقيقا قبل الأجل عتق لزوال مانع الرق دون مالكه ، وهو في ملك سيده ، لأنه لا ينفذ عتق العبد لعبده إلا بإذن سيده ، تطوع بذلك ، أو حلف بذلك فحنث ، إلا أن يعتق وهو في يده ، فيعتق إذا لم يرد السيد عتقه حين عتق ، فإن رده قبل عتقه وبعد حنثه لم يلزمه عتقه ، لأن رد السيد إبطال لتصرف العبد ، وإن قال العبد : إن اشتريت هذه الأمة فهي حرة ، فشدد مالك الكراهية في شرائها ، ولم يذكر أن سيده أمره باليمين ، قال ابن يونس : قال محمد : المكاتب والسفيه كالعبد في رد العتق يبطل ، ولا يلزمهم بعد العتق والرشد بخلاف المديان ، عتقه للغرماء ، ثم يفيد مالا قبل بيع العبد ، إذ يقرب بيعه ، وقاله ابن القاسم ، قال أشهب : رد الزوج عتق الزوجة ، ثم تزول العصمة والعبد بيدها فإنه يبقى رقيقا ، وقال ابن القاسم : يعتق بغير قضاء بخلاف السفيه والعبد ، والفرق : أن المديان والمرأة مطلقا التصرف في أنفسهما ، وإنما تعلق به حق الغير ، فإذا زال المانع بعد العتق والمولى والعبد مسألتان صحة التصرف ، وإنما قال ابن القاسم [ ص: 84 ] في عتق المرأة : إنه ينفذ بغير قضاء ، وفي المديان بالقضاء ، لأن رد الغرماء إيقاف النظر هل له مال أم لا ؟ وليس حقهم في عين العبد ، والزوج حقه في عين العبد ، وليس رده لأمر بين ، فهو أشبه برد الولي من رد الغرماء ، ورأى أشهب أنه كرد الولي ، والفرق لابن القاسم : أنها تتصرف في ثلثها بخلاف المولى عليه فتوسط أمرها ، وأما إن حلف المولى عليه والمرأة والعبد فلم يحنثوا حتى ملكوا أمرهم فهو يلزمهم لزوال المانع ، وعن ابن القاسم في الصبي والعبد والنصراني يحنثون بعد زوال تلك الأحوال : لا شيء عليهم نظرا لحالة اليمين ، وهو السبب وقال عبد الملك : إذا أعتق العبد عبده فسكت سيده وقد علم ، لا يلزمه العتق لسكوت سيده وعلمه ، وإنما كره مالك شراء العبد الأمة إذا علق عتقها ، لأن لسيدها رد عتقها فيبقى للسيد وطؤها وهي محلوف بحريتها ، وكذلك لو أمره سيده باليمين ولم يأمره بالشراء ، أما لو أمرهما عتقت عليه ولم يكن للسيد الرد كعتقه بإذنه ، قال مالك : وإذا كان السفيه لا يولى عليه وهو يلي نفسه بعد عتقه ، قال ابن القاسم إلا البين السفه الذي يحجر مثله ، وعن مالك : البين السفه في إفساد ماله ينفذ تصرفه حتى يحجر عليه ، وهو قول أصحابه إلا ابن القاسم ، قاله أشهب ، إذا حلف السفيه المولى عليه لعتق رقيقه وحنث بعد ولايته لنفسه ، يلزمه الحنث ، وقيل : لم يلزمه ، قال أشهب إذا حنث قبل زوال الحجر فإن رد وصيته لم يلزمه بعد الحجر ، وإلا لزمه كالعبد ، ولم يختلف مالك وأصحابه في نفوذ عتق السفيه أم ولده لما يدخلها من الحرية ، ولا يتبعها مالها عند ابن القاسم إلا التافه ، وقال أشهب : يتبعها كما لو طلق امرأته ولها مهر عظيم عليه ، والفرق : أنه قادر على الاستثناء هاهنا ، وقال المغيرة : عتقه أم ولده لا ينفذ بخلاف طلاقه ، وفي الجواهر : لا عتق للعبد إلا بإذن السيد ، فيقوم في مال [ ص: 85 ] السيد ، كان للعبد أم لا ، وكان إن كان بغير إذنه وأجازه ، قال سحنون : ويستوجب مال السيد . وإن احتيج إلى رقبة العبد فيما بيده لم يقوم عليه ، قال اللخمي : إذا قال العبد : كل عبد أملكه إلى ثلاثين سنة كما تقدم ، فاشترى عبدا في حال الرق بعد إجازة السيد ليمينه لزمه العتق ، وإن أجاز يمينه في ذلك العبد وحده لزمه عتقه . قوله : رد ما يشتريه بعده ، واختلف في حل السيد ليمين العبد فجعله ابن القاسم له دون أشهب ، قال : وقول أشهب أظهر ، لأن ضرر السيد في العتق لإبقاء اليمين ، ولا ينقص من ثمنه إذا باعه .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية