الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [ 54] إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون [ 55] من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون

                                                                                                                                                                                                                                      إن نقول إلا اعتراك أي مسك بعض آلهتنا بسوء أي بجنون، لسبك [ ص: 3456 ] إياها، وصدك عنها، وعداوتك لها، مكافأة لك منها على سوء فعلك بسوء الجزاء، ومن ثم تتكلم بما تتكلم.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الزمخشري: دلت أجوبتهم المتقدمة على أنهم كانوا جفاة، غلاظ الأكباد، لا يبالون بالبهت، ولا يلتفتون إلى النصح، ولا تلين شكيمتهم للرشد، وهذا الأخير دال على جهل مفرط، وبله متناه، حيث اعتقدوا في حجارة أنها تنتصر وتنتقم. قال إني أشهد الله أي علي واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه قال الزمخشري: من أعظم الآيات أن يواجه، بهذا الكلام، رجل واحد أمة عطاشا إلى إراقة دمه يرمونه عن قوس واحدة، وذلك لثقته بربه، وأنه يعصمه منهم، فلا تنشب فيه مخالبهم، ونحو ذلك قال نوح عليه السلام لقومه: ثم اقضوا إلي ولا تنظرون أكد براءته من آلهتهم وشركهم ووثقها بما جرت به عادة الناس من توثيقهم الأمور بشهادة الله، وشهادة العباد، فيقول الرجل: الله شهيد على أني لا أفعل كذا، ويقول لقومه: كونوا شهداء على أني لا أفعله. ولما جاهر بالبراءة مما يعبدون، أمرهم بالاحتشاد والتعاون في إيصال الكيد إليه، عليه السلام، دون إمهال بقوله: فكيدوني جميعا أي أنتم وآلهتكم ثم لا تنظرون يعني إن صح ما لوحتم به، من كون آلهتكم لها تأثير في ضر، فكونوا معها فيه، وباشروه أعجل ما تفعلون دون إمهال.

                                                                                                                                                                                                                                      قال أبو السعود: فالفاء لتفريع الأمر على زعمهم في قدرة آلهتهم على ما قالوا، وعلى البراءة كليهما، وهذا من أعظم المعجزات، فإنه عليه الصلاة والسلام كان رجلا مفردا بين الجم الغفير، والجمع الكثير، من عتاة عاد، الغلاظ الشداد. وقد خاطبهم بما خاطبهم، وحقرهم وآلهتهم، وهيجهم على مباشرة مبادئ المضادة والمضارة، وحثهم على التصدي لأسباب المعازة والمعارة، فلم يقدروا على مباشرة شيء مما كلفوه، وظهر عجزهم عن ذلك ظهورا بينا، كيف لا وقد التجأ إلى ركن منيع رفيع، حيث قال:

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية