الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
وإنما الغرض هنا التنبيه على هذه الطريقة: فقال نفاة الصفات -من المعتزلة ونحوهم، والصفاتية المنكرون للأفعال; كالكلابية والأشعرية، ومن وافقهم من الفقهاء من أصحاب أحمد وغيرهم; كالقاضي أبي يعلى، وأبي الوفاء بن عقيل، وأبي الحسن بن الزاغوني، وغيرهم، والقاضي أبي بكر بن الباقلاني، وأبي إسحاق الإسفراييني، وأبي بكر بن فورك، وغيرهم قالوا-: الجسم محدث، والدلالة على حدوثه أنا وجدنا هذه الأجسام تتغير عليها الأحوال والصفات: فتكون تارة متحركة، وتارة ساكنة، وتارة حية، وتارة ميتة، وكذلك سائر الصفات التي تتجدد عليها، فلا يخلو الجسم من أن يكون انتقل من حال قدم إلى حال قدم، أو من حال حدث إلى حال حدث، أو من حال قدم إلى حال حدث، أو من حال حدث إلى حال قدم، فيستحيل أن يكون متنقلا من حال قدم إلى حال قدم، لأنه لو كان كذلك استحال خروجه عن تلك الحال، لأن كل حكم [ ص: 446 ] حصل عليه الجسم فيما لم يزل وجب وجوده دائما، كوجوب وجوده، فلما لم يصح خروج القديم عن وجوده الأزلي، لأن وجوده ثابت فيما لم يزل، كذلك لا يصح خروجه عن كل حكم كان عليه فيما لم يزل، وفي العلم بأنه ينتقل من المكان الذي فيه ويخرج عنه، دليل على أنه لم يكن في ذلك المكان فيما لم يزل، لأن كل مكان يشار إليه وكل حال يشار إليه يصح خروجه عنهما، وإذا جاز خروجه عنهما، ثبت أنه لم يكن حاصلا في ذلك المكان، ولا على تلك الصفة فيما لم يزل، وإن كانت الحالة الأولى لم تكن حالة قدم، فالحالة التي تجددت بعد أن لم تكن، أولى وأحرى أن لا تكون حالة قدم، فثبت بذلك أن الجسم لم يكن موجودا فيما لم يزل; إذ لو كان موجودا فيما لم يزل، لكان لا بد أن يكون في مكان أو ما يقدر تقدير المكان، ولو كان كذلك لاستحال خروجه عن تلك المحاذاة لما ذكرناه، وإلا نودي إلى حدثه وصح بذلك ما قلناه.

فهذا نظم حجة القاضي أبي بكر والقاضي أبي يعلى وغيرهما، وهي حجة مبنية على وجوب الكون للجسم، ووجوب حدوثه، وامتناع حوادث لا أول لها، وهذه حجة أكثرهم.

ومضمونها أن الجسم القديم لا بد له من مكان، فإن كان قديما امتنع خروجه عنه، وإن كان حادثا لزم قيام الحادث به وتعاقب الحوادث عليه، وهي حجة الرازي وغيره في حدوث العالم.

التالي السابق


الخدمات العلمية