الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
تخريج الساقط .


( 584 ) ويكتب الساقط وهو اللحق حاشية إلى اليمين يلحق      ( 585 ) ما لم يكن آخر سطر وليكن
لفوق والسطور أعلى فحسن [ ص: 87 ]      ( 586 ) وخرجن للسقط من حيث سقط
منعطفا له وقيل صل بخط      ( 587 ) وبعده اكتب صح أو زد رجعا
أو كرر الكلمة لم تسقط معا      ( 588 ) وفيه لبس ولغير الأصل
خرج بوسط كلمة المحل      ( 589 ) ولعياض لا تخرج ضبب
أو صححن لخوف لبس وأبي

[ تخريج الساقط وأصله ] :

( تخريج الساقط ) أي : كيفية التخريج له وما ألحق به من التخريج للحواشي ونحوها ، وكيفية كتابة ذلك ، والأصل في هذا الباب قول زيد بن ثابت في نزول قوله تعالى : غير أولي الضرر بعد نزول : لا يستوي القاعدون من المؤمنين كما في سنن أبي داود : ( فألحقتها والذي نفسي بيده ، فكأني أنظر إلى ملحقها عند صدع في كتف ) .

[ كيفية إلحاق الساقط ] :

( ويكتب الساقط ) غلطا من أصل الكتاب ( وهو ) أي : المكتوب في اصطلاح المحدثين والكتاب ( اللحق ) بفتح اللام والمهملة ، وقد أنشد المبرد :


كأنه بين أسطر لحق

.

مشتق من الإلحاق ، ( حاشية ) أي : في حاشية الكتاب أو بين سطوره إن كانت متسعة لكنه في الحاشية أولى لسلامته من تغليس ما يقرأ ، لا سيما إن كانت السطور ضيقة متلاصقة ، وليكن الساقط في جميع السطر إن لم يتكرر ( إلى ) جهة ( اليمين ) من جانبي الورقة لشرفه ( يلحق ما لم يكن ) الساقط ( آخر سطر ) فإنه يلحق إلى جهة اليسار للأمن حينئذ من نقص فيه بعده ، وليكون متصلا بالأصل ، وإن ألحق غير واحد من العلماء هذا أيضا لجهة [ ص: 88 ] اليمين ، فاليسار أولى .

فإن تكرر ألحق الثاني لجهة اليسار أيضا ; لأنهما لو جمعا في جهة واحدة وقع الاشتباه ، وإن ألحق الأول في اليسار والثاني في اليمين لقابل طرفا التخريجتين ، وصار يتوهم بذلك الضرب على ما بينهما ، لكونه أحد طرق الضرب كما سيأتي قريبا ، اللهم إلا أن يقال : يبعد التوهم رؤية اللحق مكتوبا بالجانبين مقابل التخريجتين .

وليكن الساقط في السطر من الجانبين إن لم يزد على سطر ملاصقا لأصل الكتاب صاعدا ( لفوق ) بضم القاف ، إلى أعلى الورقة لا نازلا إلى أسفلها لاحتمال وقوع سقط آخر فيه أو بعده فلا يجد له مقابله موضعا ، أو كتب الأول إلى أسفل .

( و ) إن زاد على سطر فلتكن ( السطور أعلى ) الطرة المقابل لمحله نازلا بها إلى أسفل بحيث تنتهي سطوره إلى أصل الكتاب إن كان اللحق في جهة اليمين ، وإن كان في جهة الشمال ابتدأ سطوره من جانب إلى أصل الكتاب بحيث تنتهي سطوره إلى جهة طرف الورقة ، هذا فيما يكتب صاعدا ، فإن كان اللحق نازلا حيث كان في السقط الثاني أو خالف في الأول ، انعكس الحال ، ثم إن اتفق انتهاء الهامش قبل فراغ السقط استعان بأعلى الورقة أو بأسفلها حسبما يكون اللحق من كلا الجهتين ( فـ ) هذا الاصطلاح قد ( حسن ) ممن يفعله ، كل هذا إن اتسع المحل بعدم لحق قبله في السطر نفسه أو قريب منه .

وكذا إن كان الهامش من الجهتين عريضا كما هو صنيع أكثر المتقدمين أو قريبا منه ولم يضق أحدهما مع ذلك بالحبك ، فإن لم يكن كذلك تحرى فيما يزول معه الإلباس ، ولا يظلم به القرطاس مع الحرص على عدم إيصال الكتابة بطرف الورقة ، [ ص: 89 ] بل يدع ما يحتمل الحك مرارا فقد تعطل بسبب إغفال ذلك الكثير .

( وخرجن ) بنون التأكيد الخفيفة ( للسقط ) أي : الساقط الذي كتبته أو ستكتبه مما هو ثابت في أصل الكتاب من ( حيث سقط ) خطا صاعدا إلى تحت السطر الذي فوقه يكون ( منعطفا له ) أي : لجهة السقط من الحاشية يسيرا ليكون إشارة إليه .

( وقيل ) : لا تكفي الإشارة بالانعطاف بل ( صل ) بين الخط وأول اللحق بخط ممتد بينهما ، وهذا وإن قال الرامهرمزي : إنه أجود ; لما فيه من مزيد البيان .

فهو كما قال ابن الصلاح : غير مرضي . بل قال عياض : إنه تسخيم للكتاب وتسويد له ، وإن رأيته في بعض الأصول لا سيما إن كثر التخريج . قال : والأول أحسن ، وعليه استمر العمل عندنا . ولذا اختاره ابن الصلاح .

نعم إن لم يكن ما يقابل النقص خاليا ، واضطر لكتابته بموضع آخر ، مد حينئذ الخط إلى أول اللحق كما فعله غير واحد ممن يعتمد .

وذلك كما قال المصنف : جيد حسن . ولكن لا يتعين ، بل يقوم مقامه أن يكتب قباله إن اتسع المحل : يتلوه كذا في الموضع الفلاني . أو نحو ذلك رمز وغيره مما يزول به اللبس .

( وبعده ) أي : بعد انتهاء الساقط ولو كلمة ( اكتب ) إشارة إلى انتهائه وثبوته في الأصل ( صح ) صغيرة كما صرح به بعض المتأخرين ، مقتصرا عليها ، ( أو زد ) [ ص: 90 ] معها كما حكاه عياض عن بعضهم ( رجعا أو ) لا تكتب واحدة منهما ، بل اكتب : انتهى اللحق . كما حكاه عياض أيضا عن بعضهم ، وفيهما تطويل ، أو اقتصر على ( رجع ) كما أفاده شيخنا .

أو ( كرر الكلمة ) بسكون اللام ، التي ( لم تسقط ) من أصل الكتاب وهي تالية للملحق بأن تكتبها بالهامش أيضا ( معا و ) هذا وإن حكاه عياض عن اختيار بعض أهل الصنعة من المغاربة ، وقال الرامهرمزي : إنه أجود .

قال ابن الصلاح : إنه ليس بمرضي . وقال عياض - وتبعه ابن دقيق العيد - : ( إنه ليس بحسن ) . ( وفيه لبس ) فرب كلمة تجيء في الكلام مرتين بل ثلاثا لمعنى صحيح ، فإذا كررنا الكلمة لم نأمن أن توافق ما لا يمتنع تكريره ; إما جزما فتكون زيادة موجهة ، أو احتمالا فتوجب ارتيابا وزيادة إشكال . قال : والصواب التصحيح . لكن قد نسب لشيخنا : إن صح أيضا ربما انتظم الكلام بعدها بها فيظن أنها من الكتاب . انتهى .

ولكنه نادر بالنسبة للذي قبله ، ويمكن أن يقال : يبعده فيهما معا الإحاطة بسلوك المقابل له دائما فيما يحسن معه الإثبات ومما لا يحسن .

وعلى كل حال فالأحسن الرمز بما لا يقرأ ، كأن لا تجود الحاء من صح كما هو صنيع كثيرين ، وكأن لهذه العلة استحب بعضهم كما تقدم تصغيرها .

( ولـ ) ما يكون من ( غير الأصل ) مما يكتب في حاشية الكتاب من شرح أو فائدة أو تنبيه على غلط أو اختلاف رواية أو نسخة أو نحو ذلك ، ( خرج ) له ( بوسط ) بإسكان المهملة ( كلمة ) بسكون اللام ( المحل ) التي تشرح ، أو ينبه على ما فيها لا بين الكلمتين ليفترق بذلك عن الأول ، ( و ) لكن ( لعياض لا تخرج ) بل ( ضبب ) على تلك الكلمة ( أو صححن ) بنون التأكيد الخفيفة ، أي : اكتب ( صح ) عليها [ ص: 91 ] ( لخوف ) دخول ( لبس ) فيه حيث يظن أنه من الأصل لكون ذاك هو المختص بالتخريج له .

( و ) قد ( أبي ) ; أي : منع ما ذهب إليه عياض ; لأن كلا من الضبة والتصحيح اصطلح به لغير ذلك كما سيأتي قريبا ، فخوف اللبس أيضا حاصل ، بل هو فيه أقرب لافتراق صورتي التخريج في الأول ، واختصاص الساقط بقدر زائد وهو الإشارة في آخره بما يدل على أنه من الأصل ، بل ربما أشير للحاشية بحاء مهملة ممدودة ، وللنسخة بخاء معجمة إن لم يرمز لها .

ولذا قال ابن الصلاح : ( إن التخريج أولى وأدل ) . قال : ( وفي نفس هذا التخريج ما يمنع الإلباس ، وهو حسن . وقرأت بخط شيخنا : محل قول عياض إذا لم يكن هناك علامة تميزه ، كلون الحمرة أو دقة القلم ) . انتهى .

وليلاحظ في الحواشي ونحوها عدم الكتابة بين السطور ، وترك ما يحتمل الحك من جوانب الورقة ، ونحو ذلك مما قررناه ، ولا يضجر من الإصلاح والتحقيق له .

وقد أنشد الشريف أبو علي محمد بن أحمد بن أبي موسى الهاشمي لأحمد بن حنبل :


من طلب العلم والحديث فلا     يضجر من خمسة يقاسيها
دراهم للعلوم يجمعها     وعند نشر الحديث يفنيها
يضجره الضرب في دفاتره     وكثرة اللحق في حواشيها
[ ص: 92 ] يغسل أثوابه وبزته     من أثر الحبر ليس ينقيها

واللحق في النظم بإسكان الحاء وكأنه خففها لضرورة الشعر .

وقال غيره :


خير ما يقتني اللبيب كتاب     محكم النقل متقن التقييد
خطه عارف نبيل وعاناه     فصح التبييض بالتسويد
لم يخنه إتقان نقط وشكل     لا ولا عابه لحاق المزيد
وكأن التخريج في طرتيه     طرر صفقت بيض الخدود
فيناجيك شخصه من قريب     ويناديك نصه من بعيد
فاصحبنه تجده خير جليس     واختبره تجده آنس المريد

ولا يكتب الحواشي في كتاب لا يملكه إلا بإذن مالكه ، وأما الإصلاح فيه فجوزه بعضهم بدونه في الحديث قياسا على القرآن .

التالي السابق


الخدمات العلمية