الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2422 باب تحريم المدينة، وصيدها وشجرها، والدعاء لها

                                                                                                                              وقال النووي: (باب فضل المدينة، ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالبركة، وبيان: تحريمها، وتحريم صيدها، وشجرها. وبيان: حدود حرمها ).

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص134-135 ج9 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن عباد بن تميم، عن عمه: عبد الله بن زيد بن عاصم ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن إبراهيم حرم مكة، ودعا لأهلها. وإني حرمت المدينة، كما حرم إبراهيم مكة. وإني دعوت في صاعها ومدها، بمثلي ما دعا به إبراهيم لأهل مكة" . ].

                                                                                                                              [ ص: 40 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 40 ] (الشرح)

                                                                                                                              (عن عبد الله بن زيد بن عاصم ) رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن إبراهيم حرم مكة". )

                                                                                                                              هذا يدل على: أن تحريم مكة، إنما هو كان في زمن إبراهيم عليه السلام. والصحيح: أنه كان يوم خلق الله السماوات والأرض. كما في حديث ابن عباس (عند مسلم ) يرفعه، بلفظ:

                                                                                                                              (إن هذا البلد، حرمه الله، يوم خلق السماوات والأرض. فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ) الحديث.

                                                                                                                              وفي الأحاديث الأخرى، التي ذكرها مسلم: إن إبراهيم حرم مكة. منها: حديث الباب. فظاهرها الاختلاف.

                                                                                                                              وفي المسألة خلاف مشهور، ذكره الماوردي في (الأحكام السلطانية )، وغيره من أهل العلم، في وقت تحريم مكة. فقيل: ما قلنا.

                                                                                                                              وقيل: ما زالت حلالا كغيرها، إلى زمن إبراهيم عليه السلام، ثم ثبت له التحريم من زمنه (عليه السلام ). وهذا القول: يوافق هذا الحديث.

                                                                                                                              والقول الأول: يوافق الحديث الأول. وبه قال الأكثرون.

                                                                                                                              [ ص: 41 ] وأجابوا عن هذا الحديث: بأن تحريمها كان قديما، ثم خفي واستمر خفاؤه إلى زمن إبراهيم، فأظهره وأشاعه، لا أنه ابتدأه.

                                                                                                                              ومن قال بالثاني، أجاب عن الأول: بأن معناه: أن الله كتب في اللوح المحفوظ، أو في غيره، (يوم خلق الله السماوات والأرض ): أن إبراهيم، سيحرم مكة بأمر الله تعالى.

                                                                                                                              قال النووي: وذكروا في تحريم إبراهيم احتمالين ;

                                                                                                                              أحدهما: أنه حرمها بأمر الله له بذلك، لا باجتهاده، فلهذا أضاف التحريم إليه تارة، وإلى الله تعالى تارة.

                                                                                                                              والثاني: أنه دعا لها، فحرمها الله تعالى بدعوته، فأضيف التحريم إليه لذلك.

                                                                                                                              (ودعا لأهلها ).

                                                                                                                              وهذا الدعاء، هو الذي حكاه الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام، في كتابه العزيز، كما قال:

                                                                                                                              وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر .

                                                                                                                              إلى غير ذلك، من الدعوات: المحكية في القرآن الكريم، والأحاديث الشريفة النبوية، على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم. [ ص: 42 ] (وإني حرمت المدينة، كما حرم إبراهيم مكة ).

                                                                                                                              وذكر مسلم الأحاديث التي بعده بمعناه. وهي حجة ظاهرة للشافعي، ومالك، ومرافقيهما: في تحريم صيد المدينة، وتنفيره، وخبط شجرها وعضده.

                                                                                                                              وبه قال أحمد وجمهور أهل العلم ; من أن للمدينة حرما، كحرم مكة: يحرم صيده، وشجره.

                                                                                                                              وأباح أبو حنيفة ذلك، (والأحاديث ترد عليه ). واستدلوا بحديث: "يا أبا عمير، ما فعل التغير ؟ ".

                                                                                                                              وأجيب عنه: بأن ذلك، كان قبل تحريم المدينة. أو أنه من صيد الحل، لا من حرم المدينة.

                                                                                                                              قال النووي: وهذا الجواب، لا يلزمهم على أصولهم، لأن مذهب الحنفية: أن صيد الحل، إذا أدخله الحلال إلى الحرم: ثبت له حكم الحرم. ولكن أصلهم هذا ضعيف، فيرد عليهم بدليله.

                                                                                                                              والمشهور من مذهب مالك، والشافعي، والجمهور: أنه لا ضمان في صيد المدينة، وشجرها. بل هو حرام بلا ضمان. لأنه ليس بمحل النسك، فأشبه الحمى.

                                                                                                                              وقال ابن أبي ذئب، وابن أبي ليلى: يجب فيه الجزاء، كحرم مكة. وبه قال بعض المالكية.

                                                                                                                              [ ص: 43 ] وللشافعي قول قديم: أنه يسلب القاتل، لحديث سعد بن أبي وقاص. ذكره مسلم بعد هذا.

                                                                                                                              قال عياض: لم يقل بهذا القول أحد بعد الصحابة، إلا الشافعي في قوله القديم. انتهى.

                                                                                                                              قلت: وهو الذي يترجح، وإليه ذهب شارح المنتقى وغيره: من أهل العلم بالحديث. وهو ظاهر قوله: "كما حرم إبراهيم مكة".

                                                                                                                              (وإني دعوت في صاعها ومدها، بمثلي ما دعا به إبراهيم لأهل مكة ).

                                                                                                                              وفي رواية أخرى: (مثل ما دعا ).

                                                                                                                              وسيأتي هذا الدعاء (إن شاء الله تعالى ) بعد ذلك، في حديث آخر.




                                                                                                                              الخدمات العلمية