الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        898 [ ص: 94 ] ( 59 ) باب العمل في النحر

                                                                                                                        853 - مالك ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن علي بن أبي طالب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحر بعض هديه ونحر غيره بعضه .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        18183 - قال أبو عمر : هكذا قال يحيى عن مالك في هذا الحديث عن علي . وتابعه القعنبي في ذلك . ورواه ابن القاسم ، وأبو مصعب ، وابن بكير ، وابن قانع ، والشافعي فقالوا فيه : عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر . وأرسله ابن وهب عن مالك ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، لم يقل ( عن جابر ، [ ص: 95 ] ولا عن علي ) .

                                                                                                                        18184 - قال أبو عمر : الصحيح فيه : عن جابر ، وأرسله ابن وهب . وذلك موجود في رواية ابن علي ، عن جابر في الحديث الطويل في الحج ، وإنما جاء حديث علي من رواية ابن أبي ليلى عنه لا أحفظه من وجه آخر .

                                                                                                                        18185 - وفيه من الفقه : أن يتولى الرجل نحر هديه بيده ، وذلك مستحب مستحسن عند أهل العلم لفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك بيده ، ولأنها قربة إلى الله ( عز وجل ) فمباشرتها أولى لمن قدر عليها .

                                                                                                                        18186 - وجائز أن يذبح الهدي والضحايا غير صاحبها إذا كان من خاصته ، ومن بفضل فعله يكون مصدر كفاية .

                                                                                                                        18187 - وقد ذكرنا في " التمهيد " الآثار المسندة بهذا الحديث ، ومن أحسنها ما : 18188 - حدثناه عبد الله بن محمد قال : حدثني حمزة بن محمد قال : حدثني أحمد بن شعيب قال : حدثني أحمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : حدثني شعيب بن الليث قال : حدثني الليث ، عن ابن الهادي ، عن جعفر بن محمد عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله قال : قدم علي ( رضي الله عنه ) من اليمن بهدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان الهدي الذي قدم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلي من [ ص: 96 ] اليمن مائة بدنة ، فنحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها ثلاثا وستين بدنة ، ونحر علي ( رضى الله عنه ) سبعا وثلاثين ، وأشرك عليا في بدنه ، ثم أخذ من كل بدنة بضعة فجعلت في قدر فطبخت ، وأكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من لحمها وشرب من مرقها .

                                                                                                                        18189 - وأما رواية علي بن أبي طالب فحدثنا سعيد بن نصر قال : حدثني قاسم قال : حدثني محمد بن إسماعيل قال : حدثني الحميدي قال : حدثني سفيان قال : حدثني عبد الكريم الجزري قال : سمعت مجاهدا يقول : سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلي يقول : سمعت علي بن أبي طالب يقول : أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أقوم على بدنه ، وأن أقسم جلالها وجلودها ولا أعطي الجازر منها . وقال : " نحن نعطيه من عندنا " .

                                                                                                                        18190 - قال أبو عمر : في حديث مالك : " ونحر غيره بعضه " . فقد بان [ ص: 97 ] مما ذكرنا أن غيره هو علي بن أبي طالب .

                                                                                                                        18191 - وقد اختلف العلماء فيمن نحرت أضحيته بغير إذنه ولا أمره .

                                                                                                                        18192 - فقال مالك : إنها لا تجزئ به عن الذبائح ، وسواء إن نوى ذبحها عن نفسه أو عن صاحبها وعليه ضمانها .

                                                                                                                        18193 - وروي عنه : " أن الذابح إذا كان مثل الولد وبعض العيال فأرجو أن يجزي .

                                                                                                                        18194 - رواه ابن عبد الحكم عنه .

                                                                                                                        18195 - وقال ابن القاسم عنه مثل ذلك ، إلا أن ابن القاسم قال عنه : تجزي في الولد وبعض العيال .

                                                                                                                        18196 - وفي رواية ابن عبد الحكم : أرجو أن يجزي .

                                                                                                                        18197 - وقال الثوري : إذا ذبحها بغير إذنه لم تجز عنه ، ويضمن الذابح .

                                                                                                                        18198 - وقال الشافعي : تجزي عن صاحبها ، ويضمن الذابح النقصان .

                                                                                                                        18199 - وقال محمد بن الحسن في رجل تطوع عن رجل فذبح له ضحية قد أوجبها : أنه إن ذبحها عن نفسه متعمدا لم تجز عن صاحبها وله أن [ ص: 98 ] يضمن الذابح ، فإن ضمنه إياها أجزت عن الضامن بأن ضمنها عن صاحبها ، ولو أن يضمن الذابح فإن ضمنه إياها جزت عن الضامن ، فإن ذبحها عن صاحبها بغير أمره أجزت عنه .

                                                                                                                        18200 - وبه قال الطبري .

                                                                                                                        18201 - وإن أخطأ رجلان فذبح كل واحد منهما ضحية صاحبه لم تجز عن واحد منهما في قول مالك وأصحابه ، ويضمن كل واحد منهما قيمة ضحية صاحبه ، لم يختلفوا في ذلك .

                                                                                                                        18202 - واختلفوا في ذلك في الهدي .

                                                                                                                        18203 - فالأشهر عن مالك ما حكاه ابن عبد الحكم وغيره عنه أنه لو أخطأ رجلان كل واحد منهما بهدي صاحبه فذبحه عن نفسه أجزأهما ، ولم يكن عليهما شيء . وهو المشهور عن مالك في الهدي الواجب .

                                                                                                                        18204 - وقال ابن عبد الحكم عن مالك في المعتمرين لو ذبح أحدهما شاة صاحبه عن نفسه ضمنها ولم يجزه ، وذبحها شاته التي أوجبها وغرم لصحابه قيمة الشاة ، واشترى صاحبه شاة وأهداها .

                                                                                                                        18205 - قال ابن عبد الحكم : والقول الأول أعجب إلينا يعني : المعتمرين يذبح أحدهما شاة صاحبه - وهو قد أخطأ بها : أن ذلك يجزيهما .

                                                                                                                        18206 - وقد روي عن مالك في المعتمرين إذا أهديا شاتين فذبح كل [ ص: 99 ] واحد منهما شاة صاحبه خطأ أن ذلك لا يجزي عنهما ، ويضمن كل واحد منهما قيمة ما ذبح ، واستأنفا الهدي .

                                                                                                                        18207 - وقال الشافعي : يضمن كل واحد منهما ما بين قيمة ما ذبح حيا ومذبوحا ، وجزت عن كل واحد منهما أضحيته وذبحه .

                                                                                                                        18208 - وقال الطبري : يجزي كل واحد منهما ضحيته وذبحه ولا شيء على الذابح ، لأنه فعل ما لا بد منه ولا ضمان على واحد منهما إلا أن يستهلك شيئا من لحمها فيضمن ما استهلك .




                                                                                                                        الخدمات العلمية