الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
قلت: هذا نظير الحديث المأثور: «من أخلص لله أربعين صباحا تفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه» وهو معروف من مراسيل مكحول، وقد ذكره أحمد بن حنبل وغيره، وقد روي [ ص: 507 ] متصلا بإسناد فيه مقال.

قال: لا شرقية ولا غربية قال: فمثله كمثل الشجرة التفت بها الشجر فهي خضراء ناعمة، لا تصيبها الشمس على أي حال كانت، لا إذا طلعت ولا إذا غربت. قال: فكذلك هو المؤمن قد أخبر أنه يصيبه شيء من الفتن، وقد ابتلي بها فيثبته الله تعالى فيها، وهو بين أربع خلال: إن أعطي شكر، وإن ابتلي صبر، وإن قال صدق، وإن حكم عدل. فهو في سائر الناس كالرجل الحي يمشي في قبور الأموات. قال: نور على نور فهو يتقلب في خمسة من النور: فكلامه نور، وعمله نور، ومدخله نور، ومخرجه نور، ومصيره إلى النور يوم القيامة إلى الجنة. ثم ضرب مثل الكافر فقال: والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب [النور: 39]. قال: فكذلك الكافر يوم القيامة، وهو يحسب أن له عند الله خيرا فلا يجده، فيدخله الله النار، قال: وضرب الله تعالى مثلا آخر للكافر، [ ص: 508 ] فقال: أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب [النور: 40]. قال: هو يتقلب في خمس من الظلمة: فكلامه ظلمة، وعمله ظلمة، ومدخله ظلمة، ومخرجه ظلمة، ومصيره إلى الظلمات إلى النار.

وهذا قد رواه عامة من صنف في التفسير، كما رواه ابن أبي حاتم، وروي أيضا عن السدي: فيها مصباح قال: المصباح النور والإيمان والقرآن. قال: والزجاجة هي القلب، والمشكاة هي الصدر، فكما دخل هذا المصباح في الزجاجة فأضاء، فكذلك أضاء القلب فأضاء البيت، فكذلك نزل النور في الصدر فأضاء به الجوف كله، فلم يدخله حرام نور على نور قال السدي: نور النار ونور الزيت حيث اجتمعا أضاءا، ولا يضيء واحد بغير صاحبه، فكذلك نور القرآن ونور الإيمان حين اجتمعا، فلا يكون واحد منهما إلا بصاحبه، وفي كلام طائفة من السلف أن النور نور القرآن، وفي كلام [ ص: 509 ] طائفة أخرى أنه نور الإيمان، والنور يعمهما جميعا، كما قال تعالى: وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا [الشورى: 52]. كما أن في كلام طائفة من السلف أنهم جعلوا هذا مثلا للنبي صلى الله عليه وسلم، وفي كلام الأكثرين أنه مثل لكل مؤمن، والجميع صحيح، فمحمد صلى الله عليه وسلم سيدهم وإمامهم، وما فيه من وصف الشجرة بأنها بين الشجر هي قول طائفة، وطائفة أخرى قالوا: بل هي في الصحراء لا تزال الشمس عليها، وهو أصفى الزيت، وقيل: بل هي متوسطة تطلع عليها وقت الطلوع والغروب، وبسط هذا له موضع آخر.

التالي السابق


الخدمات العلمية