الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 473 ] بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                      18 سورة الكهف

                                                                                                                                                                                                                                      مكية

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج النحاس في "ناسخه"، وابن مردويه ، عن ابن عباس قال : نزلت سورة "الكهف" بمكة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه ، عن ابن الزبير قال : نزلت سورة "الكهف" بمكة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد ، ومسلم ، وأبو داود، والترمذي ، والنسائي ، وابن الضريس ، وابن حبان، والحاكم ، وابن مردويه ، والبيهقي في "سننه"، عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من حفظ عشر آيات من أول سورة "الكهف" عصم من فتنة الدجال" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو عبيد في "فضائله"، وأحمد ، ومسلم ، والنسائي ، وابن حبان، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من قرأ العشر الأواخر من سورة "الكهف" عصم من فتنة الدجال" .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 474 ] وأخرج أبو عبيد، وابن مردويه ، عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من حفظ عشر آيات من أول سورة "الكهف"، ثم أدركه الدجال، لم يضره، ومن حفظ خواتيم سورة "الكهف" كانت له نورا يوم القيامة" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد ، والبخاري ، ومسلم ، وابن الضريس ، والنسائي ، وابن أبي حاتم ، وابن حبان، وابن مردويه ، والبيهقي في "الدلائل"، عن البراء قال : قرأ رجل سورة "الكهف" [266و] وفي الدار دابة، فجعلت تنفر، فنظر، فإذا ضبابة أو سحابة قد غشيته، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، قال : "اقرأ فلان، فإنها السكينة نزلت للقرآن" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني عن أسيد بن حضير، أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله، إني كنت أقرأ البارحة سورة "الكهف" فجاء شيء حتى غطى فمي . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "مه، تلك السكينة جاءت حتى تسمع القرآن" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الترمذي وصححه عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من [ ص: 475 ] قرأ ثلاث آيات من أول "الكهف" عصم من فتنة الدجال" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن الضريس، والنسائي ، وأبو يعلى ، والروياني، عن ثوبان، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "من قرأ العشر الأواخر من سورة "الكهف"، فإنه عصمة له من الدجال" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من قرأ من سورة "الكهف" عشر آيات عند منامه عصم من فتنة الدجال، ومن قرأ خاتمتها عند رقاده كان له نورا من لدن قرنه إلى قدمه يوم القيامة" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه ، والضياء في "المختارة"، عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من قرأ "الكهف" يوم الجمعة فهو معصوم إلى ثمانية أيام من كل فتنة تكون، وإن خرج الدجال عصم منه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني في "الأوسط"، والحاكم وصححه، وابن مردويه ، والبيهقي في "السنن"، والضياء ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من قرأ سورة "الكهف"، كانت له نورا من مقامه إلى مكة، ومن قرأ عشر آيات من آخرها ثم خرج الدجال لم يضره" .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 476 ] وأخرج البيهقي في "شعب الإيمان" عن أبي سعيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من قرأ سورة "الكهف" كما أنزلت كانت له نورا يوم القيامة" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم وصححه، والبيهقي في "السنن"، عن أبي سعيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من قرأ سورة "الكهف" في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو عبيد، وسعيد بن منصور ، والدارمي، وابن الضريس ، والحاكم ، والبيهقي في "شعب الإيمان"، عن أبي سعيد الخدري قال : من قرأ سورة "الكهف" في يوم الجمعة، أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم وصححه عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من قرأ سورة "الكهف" كما أنزلت ثم خرج الدجال، لم يسلط عليه ولم يكن له [ ص: 477 ] عليه سبيل" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد ، والطبراني ، وابن مردويه ، عن معاذ بن أنس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "من قرأ أول سورة "الكهف" وآخرها كانت له نورا من قدمه إلى رأسه، ومن قرأها كلها كانت له نورا ما بين الأرض إلى السماء" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من قرأ سورة "الكهف" في يوم الجمعة، سطع له نور من تحت قدمه إلى عنان السماء يضيء له يوم القيامة، وغفر له ما بين الجمعتين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ألا أخبركم بسورة ملأ عظمتها ما بين السماء والأرض، ولكاتبها من الأجر مثل ذلك، ومن قرأها يوم الجمعة غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام، ومن قرأ الخمس الأواخر منها عند نومه بعثه الله أي الليل شاء؟!" . قالوا : بلى يا رسول الله . قال" : سورة أصحاب الكهف" .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 478 ] وأخرج سعيد بن منصور عن خالد بن معدان قال : من قرأ سورة "الكهف" في كل يوم جمعة قبل أن يخرج الإمام، كانت له كفارة ما بينه وبين الجمعة، وبلغ نورها البيت العتيق .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن الضريس عن أبي المهلب قال : من قرأ سورة "الكهف" في يوم الجمعة كانت له كفارة إلى الجمعة الأخرى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي في "شعب الإيمان" عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "سورة "الكهف" تدعى في التوراة الحائلة؛ تحول بين قارئها وبين النار" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه ، عن عبد الله بن مغفل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "البيت الذي تقرأ فيه سورة "الكهف" لا يدخله شيطان تلك الليلة" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو عبيد، والبيهقي في "شعب الإيمان"، عن أم موسى قالت : كان الحسن بن علي يقرأ سورة "الكهف" كل ليلة، وكانت مكتوبة له في لوح، يدار بلوحه حيثما دار في نسائه في كل ليلة .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 479 ] وأخرج ابن أبي شيبة ، عن زيد بن وهب، أن عمر قرأ في الفجر بـ "الكهف" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن سعد عن صفية بنت أبي عبيد، أنها سمعت عمر بن الخطاب يقرأ في صلاة الفجر بسورة أصحاب الكهف .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الديلمي في "مسند الفردوس" عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "نزلت سورة الكهف جملة معها سبعون ألفا من الملائكة" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وأبو نعيم ، والبيهقي ، كلاهما في "الدلائل"، عن ابن عباس قال : بعثت قريش النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة، فقالوا لهم : سلوهم عن محمد، وصفوا لهم صفته، وأخبروهم بقوله؛ فإنهم أهل الكتاب الأول، وعندهم علم ما ليس عندنا من علم الأنبياء . فخرجا حتى أتيا المدينة، فسألا أحبار يهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووصفوا لهم أمره وبعض قوله، وقالا : إنكم أهل التوراة، وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا . فقالوا لهم : سلوه عن ثلاث، فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل، وإن لم يفعل فالرجل متقول، فروا فيه رأيكم؛ سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول، ما كان من أمرهم؟ فإنه قد كان لهم حديث عجيب، وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها، ما كان نبؤه؟ وسلوه [ ص: 480 ] عن الروح ما هو؟ فإن أخبركم بذلك فإنه نبي فاتبعوه، وإلا فهو متقول . فأقبل النضر وعقبة حتى قدما على قريش فقالا : يا معشر قريش، قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد، قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أمور . فأخبروهم بها، فجاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد، أخبرنا . فسألوه عما أمروهم به، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أخبركم غدا بما سألتم عنه" . ولم يستثن، فانصرفوا عنه، ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة لا يحدث الله إليه في ذلك وحيا ولا يأتيه جبريل ، حتى أرجف أهل مكة، وأحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث الوحي عنه، وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة، ثم جاءه جبريل من الله عز وجل بسورة أصحاب الكهف، فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم، وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية والرجل الطواف وقول الله : ويسألونك عن الروح الآية [الإسراء : 85] .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو نعيم في "الدلائل"، من طريق السدي الصغير، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس ، أن قريشا بعثوا خمسة رهط؛ منهم عقبة بن أبي معيط، والنضر بن الحارث، إلى المدينة يسألون اليهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووصفوا لهم صفته فقالوا لهم : نجد نعته وصفته ومبعثه في التوراة؛ فإن كان كما وصفتم لنا، فهو نبي مرسل، وأمره حق فاتبعوه، ولكن سلوه عن ثلاث خصال، فإنه يخبركم بخصلتين ولا يخبركم بالثالثة إن كان نبيا، فإنا قد سألنا [ ص: 481 ] مسيلمة الكذاب عن هؤلاء الثلاث فلم يدر ما هي . فرجعت الرسل إلى قريش بهذا الخبر من اليهود، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد، أخبرنا عن ذي القرنين الذي كان بلغ المشرق والمغرب، وأخبرنا عن الروح، وأخبرنا عن أصحاب الكهف . قال : "أخبركم بذلك غدا" . ولم يقل : إن شاء الله . فأبطأ عليه جبريل خمسة عشر يوما، فلم يأته لترك الاستثناء، فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أتاه جبريل بما سألوه فقال : "يا جبريل ، أبطأت علي" . فقال : بتركك الاستثناء أن تقول : إن شاء الله . قال : ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله . ثم أخبره بخبر ذي القرنين، وبخبر الروح وأصحاب الكهف، ثم أرسل إلى قريش فأتوه، فأخبرهم عن حديث ذي القرنين وقال لهم : " الروح من أمر ربي " . يقول : من علم ربي، لا علم لي به . فلما وافق قول اليهود أنه لا يخبركم بالثالث، قالوا : سحران تظاهرا : تعاونا . يعنون التوراة والفرقان، وقالوا : إنا بكل كافرون [القصص : 48] . وحدثهم بحديث أصحاب الكهف .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني عن أبي أمامة قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، فكان أكثر [ ص: 482 ] خطبته ذكر الدجال، فكان فيما قال لنا يومئذ : "إن الله عز وجل لم يبعث نبيا إلا حذر أمته، وإني آخر الأنبياء، وأنتم آخر الأمم، وهو خارج فيكم لا محالة، فإن يخرج وأنا بين أظهركم فأنا حجيج كل مسلم، وإن يخرج فيكم بعدي فكل امرئ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم، وإنه يخرج من خلة بين العراق والشام، عاث يمينا وعاث شمالا، يا عباد الله، اثبتوا، فإنه يبدأ يقول : أنا نبي . ولا نبي بعدي، وإنه مكتوب بين عينيه : كافر . يقرؤه كل مؤمن، فمن لقيه منكم فليتفل في وجهه، وليقرأ بقوارع سورة أصحاب الكهف، وإنه يسلط على نفس من بني آدم، فيقتلها ثم يحييها، وإنه لا يعدو ذلك، ولا يسلط على [266ظ] نفس غيرها، وإن من فتنته أن معه جنة ونارا، فناره جنة، وجنته نار، فمن ابتلي بناره فليغمض عينيه وليستعن بالله، تكون عليه بردا وسلاما، كما كانت النار بردا وسلاما على إبراهيم، وإن أيامه أربعون يوما؛ يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، ويوم كالأيام، وآخر أيامه كالسراب، يصبح الرجل عند باب المدينة فيمسي قبل أن يبلغ بابها الآخر" . قالوا : وكيف نصلي يا رسول الله في تلك الأيام القصار؟ قال : "تقدرون فيها كما تقدرون في الأيام الطوال" .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 483 ] قوله تعالى : الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب الآيات .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، من طريق علي، عن ابن عباس في قوله : الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما . قال : أنزل الكتاب عدلا قيما، ولم يجل له عوجا ملتبسا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا . قال : هذا من التقديم والتأخير، أنزل على عبده الكتاب قيما، ولم يجعل له عوجا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر عن الضحاك في قوله : قيما . قال : مستقيما .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي في قوله : لينذر بأسا شديدا . قال : عذابا شديدا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : من لدنه . أي : من عنده .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا : يعني الجنة . وفي قوله : وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا . قال : هم اليهود والنصارى .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية