الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلا منهم فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه [ ص: 317 ] قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين

                                                                                                                                                                                                                                        قوله تعالى: فلما فصل طالوت بالجنود وهو جمع جند ، والأجناد للقليل ، وقيل: إنهم كانوا ثمانين ألف مقاتل. قال إن الله مبتليكم بنهر اختلفوا في النهر ، فحكي عن ابن عباس والربيع أنه نهر بين الأردن وفلسطين ، وقيل: إنه نهر فلسطين ، قال وهب بن منبه: السبب الذي ابتلوا لأجله بالنهر ، شكايتهم قلة الماء وخوف العطش. فمن شرب منه فليس مني أي ليس من أهل ولايتي. ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده قرأ نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو بالفتح ، وقرأ الباقون (غرفة) بالضم ، والفرق بينهما أن الغرفة بالضم اسم للماء المشروب ، والغرفة بالفتح اسم للفعل. فشربوا منه إلا قليلا منهم قال عكرمة: جاز معه النهر أربعة آلاف ، ونافق ستة وسبعون ألفا ، فكان داود ممن خلص لله تعالى. قال ابن عباس : إن من استكثر منه عطش ، ومن اغترف غرفة منه روي. فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قيل: كان المؤمنون ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا عدة أهل بدر. واختلفوا ، هل تجاوزه معهم كافر أم لا؟ فحكي عن البراء ، والحسن ، وقتادة : أنه ما تجاوزه إلا مؤمن ، وقال ابن عباس ، والسدي: تجاوزه الكافرون ، إلا أنهم انخذلوا عن المؤمنين. قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده اختلفوا في تأويل ذلك على قولين: أحدهما: أنه قال ذلك من قلت بصيرته من المؤمنين ، وهو قول الحسن ، وقتادة ، وابن زيد . والثاني: أنهم أهل الكفر الذين انخذلوا ، وهو قول ابن عباس ، والسدي ، [ ص: 318 ]

                                                                                                                                                                                                                                        قال عكرمة: فنافق الأربعة الآلاف إلا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا كعدة أهل بدر ، وداود فيهم. قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله وهم المؤمنون الباقون من الأربعة الآلاف. وفي الظن ههنا قولان: أحدهما: أنه بمعنى اليقين ، ومعناه الذين يستيقنون أنهم ملاقو الله كما قال دريد بن الصمة:


                                                                                                                                                                                                                                        فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج سراتهم في الفارسي المسرد



                                                                                                                                                                                                                                        أي تيقنوا. والثاني: بمعنى الذين يظنون أنهم ملاقو الله بالقتل في الوقعة. كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة والفئة: الفرقة بإذن الله قال الحسن: بنصر الله ، وذلك لأن الله إذا أذن في القتال نصر فيه على الوجه الذي وقع الإذن فيه. والله مع الصابرين يعني بالنصرة والمعونة ، وهذا تفسير الآية عند جمهور المفسرين. وذكر بعض من يتعاطى غوامض المعاني ، أن هذه الآية مثل ضربه الله للدنيا يشبهها بالنهر ، والشارب منه بالمائل إليها والمستكثر منها ، والتارك لشربه بالمنحرف عنها والزاهد فيها ، والمغترف منه بيده بالآخذ منها قدر حاجته ، وأحوال الثلاثة عند الله مختلفة.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية