الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                ( الفصل الثاني )

                                                                                                                3 ( في المسح على الخفين )

                                                                                                                والكلام في حكمه ، وشروطه ، وكيفيته .

                                                                                                                أما حكمه ، فثلاثة أقوال . قال في الكتاب : يمسح المسافر ، والمقيم ، ثم قال : لا يمسح المقيم ، وهذا اللفظ يقتضي أنه رجع عن الأول وقال في المجموعة : إني لأقول اليوم مقالة ما قلتها قط قد أقام عليه الصلاة والسلام بالمدينة عشر سنين ، وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي في خلافتهم ، وذلك خمس وثلاثون سنة ، فلم يرهم أحد يمسحون ، وإنما كانت الأحاديث بالقول ، وكتاب الله أحق أن يتبع ، ويعمل به .

                                                                                                                [ ص: 322 ] وقال في النوادر : لا أمسح في سفر ، ولا حضر ، قال ابن وهب فيها : آخر ما فارقته عليه المسح في السفر والحضر ، قال صاحب الاستذكار والمازري : ينبغي أن يحمل قوله بالمنع على الإطلاق على الكراهة في خاصة نفسه كالفطر في السفر جائز ، والأفضل تركه ، وقد يترك العالم ما يفتي بجوازه ، فقد قال الحسن البصري : حدثني سبعون من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه مسح على الخفين ، وأخبار المسح قد وردت في الصحاح إلا أن يقال : نزلت المائدة بعدها كما يزعم جماعة ، لكن في مسلم ، وأبي داود عن جرير قال : رأيته عليه السلام بال ، ثم توضأ ، ومسح على خفيه قال إبراهيم : كان يعجبهم هذا الحديث ; لأن إسلام جرير كان بعد المائدة قال الترمذي : قبل موته عليه السلام بيسير .

                                                                                                                ويدل على جوازه في الحضر قوله تعالى : ( وأرجلكم ) بالخفض إذا حملناه على المسح على الخفين ، وما ورد في الحديث أنه ( أتى سباطة قوم ، فبال قائما ، ومسح على خفيه ) والسباطة المزبلة ، وهي من خواص الحضر ، وفي مسلم أنه وقت للحاضر يوما ، وليلة ، وللمسافر ثلاثة أيام ، والتوقيت فرع الجواز ، ووجه التفرقة بين المسافر ، والمقيم أن المشقة إنما تعظم في نزع الخف في السفر لفوات الرفاق ، وقطع المسافات مع تكرار الصلوات ، ولا يرد عليه سفر البحر ; لأن التعليل لجنس السفر ، ولأن الغالب السفر في البر ، فكان سفر البحر تبعا له ، ولأن الطهارة مشابهة للصلاة لكونها شرطها ، ولإبطال الحدث لهما ، ورخصة القصر في الصلاة تختص بالسفر ، فكذلك الطهارة ، فتكون رخصة في عبادة تختص بالسفر أصله الصوم . فروع ثلاثة :

                                                                                                                الأول : قال صاحب الطراز : إذا قلنا لا يمسح إلا المسافر فيشترط في السفر الإباحة قياسا على القصر ، والفطر ، ولأن الرخص لا تستباح بالمعاصي .

                                                                                                                وإذا قلنا يمسح الحاضر ، والمسافر ، فهل يمسح العاصي بسفره ؟ قولان ، والصحيح المسح ; لأن عدم الاختصاص يصير طرديا في الرخصة . الثاني : قال في الكتاب : ليس للمسح توقيت خلافا ح ، و ش قال صاحب [ ص: 323 ] الطراز : روى أشهب عنه يمسح المسافر ثلاثة أيام ، وهذا القول إنما ينسب إليه في كتاب السر الذي بعثه إلى الرشيد ، والأصحاب ينكرونه ، فقال فيه على زعم الناقل : يمسح المقيم يوما ، وليلة ، والمسافر ثلاثة أيام .

                                                                                                                وفي مسلم : رخص لنا عليه السلام إذا كنا مسافرين ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ، ولياليهن من غائط ، وبول إلا من جنابة ، ولأن الأصل الغسل بالقرآن ، فلا يترك إلا لدليل معلوم راجح عليه .

                                                                                                                ووجه المذهب ما رواه سحنون في الكتاب عن عامر الجهني قال : قدمت على عمر من فتح الشام ، وعلي خفاي ، فنظر إليهما ، فقال : كم لك منذ لم تنزعهما ، فقلت لبستهما يوم الجمعة ، واليوم الجمعة ثمان ، فقال : أصبت ، وروي أيضا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : لو لبست الخفين ، ورجلاي طاهرتان ، وأنا على وضوء لم أبال أن لا أنزعهما حتى أبلغ العراق ، وأقضي سفري ، ولأن التوقيت ينافي أصول الطهارات ، فإنها دائرة مع أسبابها لا مع أزمانها ، وإذا تقابلت الأخبار بقي معنا النظر .

                                                                                                                قال ابن يونس : قال ابن مهدي ، وابن معين : حديثان لا أصل لهما ، ولا يصحان : حديث التوقيت ، وحديث التسليمتين في الصلاة . قال صاحب الطراز : وروي عن علي رضي الله عنه إنكار المسح أصلا ، وأن المائدة متأخرة عن المسح ، وفي أبي داود عن أبي عمارة أنه قال : يا رسول الله أمسح على الخفين ؟ قال : ( نعم ) قال : يوما قال : ( ويومين ) قال : وثلاثا قال : ( نعم ، وما شئت ) . قال أبو داود : في سنده اختلاف .

                                                                                                                الثالث : إذا فرعنا على رواية أشهب ، ومسح المقيم ، ثم سافر قبل تمام مدته هل يبني على ذلك مدة المسافر أم لا . قال صاحب الطراز : ويتخرج على المسافر إذا صلى ركعتين ، ثم نوى الإقامة هل يبني عليها صلاة المقيم أم لا ، وقال الشافعي : ينزع بعد يوم ، وليلة ، وقال أبو حنيفة : يقيم مدة المسافر .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية