الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
حج النبي صلى الله عليه وسلم قارنا والدليل على ذلك وذكر الدارقطني ، عن عائشة قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يحرم غسل رأسه بخطمي وأشنان . ثم طيبته عائشة بيدها بذريرة وطيب فيه مسك في بدنه ورأسه ، حتى كان وبيص المسك يرى في مفارقه ولحيته ، ثم استدامه ولم يغسله ، ثم لبس إزاره ورداءه ، ثم صلى الظهر ركعتين ، ثم أهل بالحج والعمرة في مصلاه ) ، ولم ينقل عنه أنه صلى للإحرام ركعتين غير فرض الظهر .

[ ص: 102 ] ( وقلد قبل الإحرام بدنه نعلين ، وأشعرها في جانبها الأيمن ، فشق صفحة سنامها ، وسلت الدم عنها ) .

وإنما قلنا : إنه أحرم قارنا لبضعة وعشرين حديثا صحيحة صريحة في ذلك .

أحدها : ما أخرجاه في " الصحيحين " عن ابن عمر ، قال : ( تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج ، وأهدى ، فساق معه الهدي من ذي الحليفة ، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ، ثم أهل بالحج ) وذكر الحديث .

وثانيها : ما أخرجاه في " الصحيحين " أيضا ، عن عروة ، عن عائشة أخبرته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل حديث ابن عمر سواء .

وثالثها : ما روى مسلم في " صحيحه " ، من حديث قتيبة ، عن الليث ، عن نافع ، عن ( ابن عمر ، أنه قرن الحج إلى العمرة ، وطاف لهما طوافا واحدا ، ثم قال : هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ) .

ورابعها : ما روى أبو داود ، عن النفيلي ، حدثنا زهير هو ابن معاوية ، حدثنا إسحاق ، عن مجاهد : سئل ابن عمر : كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : مرتين . فقالت عائشة : لقد علم ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاثا سوى التي قرن بحجته .

[ ص: 103 ] ولم يناقض هذا قول ابن عمر : ( إنه صلى الله عليه وسلم قرن بين الحج والعمرة ) ؛ لأنه أراد العمرة الكاملة المفردة ولا ريب أنهما عمرتان : عمرة القضاء ، وعمرة الجعرانة ، وعائشة رضي الله عنها أرادت العمرتين المستقلتين ، وعمرة القران ، والتي صد عنها ، ولا ريب أنها أربع .

وخامسها : ما رواه سفيان الثوري ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( حج ثلاث حجج : حجتين قبل أن يهاجر ، وحجة بعدما هاجر معها عمرة ) . رواه الترمذي وغيره .

وسادسها : ما رواه أبو داود ، عن النفيلي وقتيبة قالا : حدثنا داود بن عبد الرحمن العطار ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : ( اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر : عمرة الحديبية ، والثانية حين تواطئوا على عمرة من قابل ، والثالثة من الجعرانة ، والرابعة التي قرن مع حجته ) .

وسابعها : ما رواه البخاري في " صحيحه " عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي العقيق يقول : ( أتاني الليلة آت من ربي عز وجل ، فقال : صل في هذا الوادي المبارك وقل : عمرة في حجة ) .

وثامنها : ما رواه أبو داود عن البراء بن عازب قال : ( كنت مع علي رضي الله عنه حين أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليمن ، فأصبت معه أواقي من ذهب ، فلما قدم علي من اليمن على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وجدت فاطمة [ ص: 104 ] رضي الله عنها قد لبست ثيابا صبيغات ، وقد نضحت البيت بنضوح ، فقالت : ما لك ؟ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أصحابه فأحلوا ، قال : فقلت لها : إني أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي : كيف صنعت ؟ قال : قلت : أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : فإني قد سقت الهدي وقرنت ) وذكر الحديث .

وتاسعها : ما رواه النسائي عن عمران بن يزيد الدمشقي ، حدثنا عيسى بن يونس ، حدثنا الأعمش ، عن مسلم البطين ، عن علي بن الحسين ، عن ( مروان بن الحكم قال : كنت جالسا عند عثمان ، فسمع عليا رضي الله عنه يلبي بعمرة وحجة ، فقال : ألم تكن تنهى عن هذا ؟ قال : بلى ، لكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي بهما جميعا ، فلم أدع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لقولك ) .

وعاشرها : ما رواه مسلم في " صحيحه " من حديث شعبة ، عن حميد بن هلال قال : سمعت مطرفا قال : قال عمران بن حصين : أحدثك حديثا عسى الله أن ينفعك به : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( جمع بين حجة وعمرة ، ثم لم ينه عنه حتى مات ، ولم ينزل قرآن يحرمه ) .

وحادي عشرها : ما رواه يحيى بن سعيد القطان ، وسفيان بن عيينة ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن عبد الله بن أبي قتادة ، عن أبيه قال : ( إنما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الحج والعمرة ، لأنه علم أنه لا يحج بعدها ) وله طرق صحيحة إليهما .

[ ص: 105 ] وثاني عشرها : ما رواه الإمام أحمد من حديث سراقة بن مالك قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ، قال : وقرن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ) إسناده ثقات .

وثالث عشرها : ما رواه الإمام أحمد ، وابن ماجه من حديث أبي طلحة الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( جمع بين الحج والعمرة ) ورواه الدارقطني ، وفيه الحجاج بن أرطاة .

ورابع عشرها : ما رواه أحمد من حديث الهرماس بن زياد الباهلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قرن في حجة الوداع بين الحج والعمرة ) .

وخامس عشرها : ما رواه البزار بإسناد صحيح أن ابن أبي أوفى قال : ( إنما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الحج والعمرة لأنه علم أنه لا يحج بعد عامه ذلك ) ، وقد قيل : إن يزيد بن عطاء أخطأ في إسناده ، وقال آخرون : لا سبيل إلى تخطئته بغير دليل .

وسادس عشرها : ما رواه الإمام أحمد من حديث جابر بن عبد الله ، [ ص: 106 ] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قرن الحج والعمرة ، فطاف لهما طوافا واحدا ) ، ورواه الترمذي ، وفيه الحجاج بن أرطاة ، وحديثه لا ينزل عن درجة الحسن ما لم ينفرد بشيء أو يخالف الثقات .

وسابع عشرها : ما رواه الإمام أحمد من حديث أم سلمة قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( أهلوا يا آل محمد بعمرة في حج ) .

وثامن عشرها : ما أخرجاه في " الصحيحين " واللفظ لمسلم ، عن حفصة قالت : قلت للنبي صلى الله عليه وسلم : ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت من عمرتك ؟ قال : ( إني قلدت هديي ، ولبدت رأسي ، فلا أحل حتى أحل من الحج ) ، وهذا يدل على أنه كان في عمرة معها حج ، فإنه لا يحل من العمرة حتى يحل من الحج ، وهذا على أصل مالك والشافعي ألزم ؛ لأن المعتمر عمرة مفردة لا يمنعه عندهما الهدي من التحلل ، وإنما يمنعه عمرة القران ، فالحديث على أصلهما نص .

وتاسع عشرها : ما رواه النسائي ، والترمذي ، عن محمد بن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ، أنه سمع سعد بن أبي وقاص ، والضحاك بن قيس عام حج معاوية بن أبي سفيان ، وهما يذكران التمتع بالعمرة إلى الحج ، فقال الضحاك : لا يصنع ذلك إلا من جهل أمر الله ، فقال سعد : بئس ما قلت يا ابن أخي . قال الضحاك : فإن عمر بن الخطاب نهى عن [ ص: 107 ] ذلك ، قال سعد : قد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصنعناها معه ، قال الترمذي : حديث حسن صحيح .

التالي السابق


الخدمات العلمية