الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون ) .

                          [ ص: 140 ] بعد هذا عاد إلى سرد بقية أحكام الصيام فقال : ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ) وروي في سبب نزول هذه الآية أن الصحابة كانوا إذا أفطروا يأكلون ويشربون ويتغشون النساء إلى وقت النوم ، فإذا نام أحدهم ثم استيقظ من الليل صام ولو كان في أول الليل ، وروي أن أهل الكتاب كانوا يصومون كذلك ، وأن الصحابة فهموا من قوله تعالى : ( كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ) أن التشبيه يتناول كيفية الصوم ، فوقع لبعضهم أن وقع على امرأته في الليل بعد النوم فشكا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولبعضهم أن نام قبل أن يفطر ثم استيقظ فواصل الصوم إلى اليوم الثاني وكان عاملا فأضواه الجوع حتى غشي عليه ، فذكر خبره للنبي - صلى الله عليه وسلم - فنزلت . قال بعض المفسرين : هذه الآية ناسخة لقوله : ( كما كتب على الذين من قبلكم ) وقال بعضهم : لا نسخ هنا ; فإن التشبيه ليس من كل وجه وإنما هو في الفرضية لا في الكيفية ، وهذه الآية متصلة بما قبلها ، متممة لأحكام الصوم ، مبنية لما امتاز به صومنا من الرخصة التي لم تكن لمن قبلنا وهذا ما اختاره الأستاذ الإمام . وقال : إذا صح ما ورد في سبب النزول فهو يدل على أنه عندما فرض الصيام كان كل إنسان يذهب في فهمه مذهبا كما يؤديه إليه اجتهاده ويراه أحوط وأقرب إلى التقوى ; ولذلك قالوا فيما رووه من إتيان عمر أهله بعد النوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له : ( ( لم تكن حقيقا بذلك يا عمر ) ) .

                          ( أقول ) : أما الرواية الأولى فعند أحمد وأبي داود والحاكم من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل قال : كانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا فإذا ناموا امتنعوا ، ثم إن رجلا من الأنصار يقال قيس بن صرمة - بكسر الصاد - صلى العشاء ثم نام فلم يأكل ولم يشرب حتى أصبح فأصبح مجهودا ، وكان عمر قد أصاب من النساء بعد ما نام فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر له ذلك ; فأنزل الله ( أحل لكم ) إلى قوله : ( ثم أتموا الصيام إلى الليل ) قال في لباب النقول : هذا الحديث مشهور عن ابن أبي ليلى لكنه لم يسمع من معاذ وله شواهد ، وذكر حديث قيس بن صرمة عن البراء عند البخاري - وأخرجه أبو داود أيضا في الصوم والترمذي في التفسير - وقول البراء عند البخاري : لما نزل صوم شهر رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله فكان رجال يخونون أنفسهم فأنزل الله ( علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم ) الآية . وأما حديث عمر فهو ما رواه عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه عند أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم قال : كان الناس في رمضان إذا صام الرجل فأمسى فنام حرم عليه الطعام والشراب والنساء حتى يفطر من الغد ، فرجع عمر من عند النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد سمر عنده فأراد امرأته فقالت : إني قد نمت . قال : ما نمت ، ووقع عليها ، وصنع كعب مثل ذلك ، فغدا عمر إلى النبي [ ص: 141 ] صلى الله عليه وسلم فأخبره فنزلت . ا هـ . فأنت ترى في هذه الروايات اضطرابا ، ففي بعضها أنهم كانوا يرون مقاربة النساء محرمة في ليالي رمضان كأنهره على الإطلاق ، وفي الأخرى أنهم كانوا يعدونها كالأكل والشرب لا تحرم إلا بعد النوم في الليل ، وأقرب ما يمكن أن يخرج عليه الجمع بين الروايتين اختلاف اجتهاد الصحابة في ذلك بحمل كل رواية على طائفة ، وإلا تعارضتا وسقط الاحتجاج بهما . وهذا الجمع يوافق ما قاله الأستاذ الإمام ، فتعين أن اجتهادهم لم يكن حكما قرآنيا فيقال إنه نسخ بالآية ، وإنما هو اجتهاد أوقعهم فيه الإجمال فجاءت هذه الآية بالبيان ( قال ) : وقوله : ( أحل لكم ) لا يقتضي أنه كان محرما ، بل يكفي فيه أن يتوهم أن من كمال الصيام أو من شروطه عدم الأكل بعد النوم وعدم مقاربة النساء بعده أو مطلقا . وهو كقوله تعالى : ( أحل لكم صيد البحر ) ( 5 : 96 ) ولم يكن قد سبق نص في تحريمه .

                          ( وأقول ) : إن إقرار النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم على ذلك الاجتهاد كان جريا على سنته في إجازة عمل كل أحد باجتهاده فيما يحتمل الاجتهاد من النصوص من غير إلزام لأحد به ، إذ لم يكن يلزم الأمة كلها إلا العمل بالنص القطعي الدلالة كما يأتي بيانه في تحريم الخمر والميسر .

                          أما ليلة الصيام فهي الليلة التي يصبح منها المرء صائما ، وأما الرفث إلى النساء فهو الإفضاء إليهن ومباشرتهن ، وأصله الإفصاح بما ينبغي أن يكنى عنه مما يقع بين الرجل وامرأته . يقال : رفث في كلامه إذا فحش وأفصح بذكر الوقاع وشئونه أو حادث النساء في ذلك وقال الأزهري : الرفث : كلمة جامعة لكل ما يريد الرجل من المرأة ، وحقق الراغب أن الرفث كلام متضمن لما يستقبح من ذكر الوقاع ودواعيه ، وجعل كناية عنه في الآية تنبيها على جواز دعائهن إلى ذلك ومكالمتهن فيه . وعدي بــ ( إلى ) لتضمنه معنى الإفضاء ، وقد علمنا القرآن النزاهة في التعبير عن هذا الأمر عند الحاجة إلى الكلام فيه بما ذكر من الكنايات اللطيفة ، كقوله : ( لامستم النساء ) و ( أفضى بعضكم إلى بعض ) و ( دخلتم بهن ) و ( فلما تغشاها حملت ) وقال بعض المفسرين : قد ذكر هنا اللفظ الصريح والسبب في ذلك استهجان ما وقع منهم ، وهذا غلط ; فإن الكلمة بمعنى ما لا يحسن التصريح به من شأن الرجل مع المرأة ، وليست هي من الألفاظ الصريحة في ذلك ، فالمعنى أحل لكم ذلك الأمر الذي لا ينبغي التصريح به . وإن قال الأستاذ الإمام : والصواب أنه جيء باللفظ على خلاف ما جرت [ ص: 142 ] عليه سنة الكتاب للإشارة إلى استهجانه في شهر الصوم وإن حل فهو من الحلال المكروه على الجملة . وقوله : ( هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ) قول مستأنف سيق لبيان سبب الحكم ; أي : إذا كان بينكم وبينهن هذه الملابسة والمخالطة ، فإن اجتنابهن عسر عليكم ، فلهذا رخص لكم في مباشرتهن ليلة الصيام . قاله صاحب الكشاف ، واختاره الأستاذ الإمام ، فهو يرى أن لفظ ( لباس ) هنا مصدر ( ( لابسه ) ) بمعنى : خالطه وعرف دخائله ، لا بمعنى ما ورد من إطلاق اللباس والإزار على المرأة . وقال ابن عباس : معناه هن سكن لكم وأنتم سكن لهن . وذهب كثير من المفسرين إلى أنه كناية عن المعانقة ، واستشهدوا له بقول الذبياني :

                          إذا ما الضجيع ثنى عطفها تثنت عليه فكانت لباسا

                          وقال بعضهم إنه كناية عن الستر المقصود من اللباس ; لأن كلا من الزوجين ستر للآخر وإحصان له ، وهو بمعنى الغشيان والتغشي من ألفاظ الكناية عن وظيفة الزوجية .

                          ثم قال : ( علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم ) أي : تنتقصونها بعض ما أحل الله لها من اللذات توهما أن من قبلكم كان كذلك ، فيكون بمعنى التخون أي النقص من الشيء ، أو معناه تخونون أنفسكم إذ تعتقدون شيئا ثم لا تلتزمون العمل به فهو مبالغة من الخيانة ، التي هي مخالفة مقتضى الأمانة ، ولم يقل تختانون الله ، كما قال : ( لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم ) ( 8 : 72 ) للإشعار بأن الله تعالى لم يحرم عليهم بعد النوم في الليل ما حرمه على الصائم في النهار ، وإنما ذهب بهم اجتهادهم إلى ذلك فهم قد خانوا أنفسهم في اعتقادها ، فكانوا كمن يتغشى امرأته ظانا أنها أجنبية ، فعصيانه بحسب اعتقاده لا بحسب الواقع ، فهم على أي حال كانوا عاصين بما فعلوا محتاجين إلى التوبة والعفو ولذلك قال : ( فتاب عليكم وعفا عنكم ) فإن كان ذنبهم تحريم ما أباح الله لهم في ليالي الصوم أو التورع عنه ليوافق صيامهم صيام أهل الكتاب من كل وجه ، فتفسر التوبة بالرجوع عليهم ببيان الرخصة بعد ذكر فرض الصيام مجملا ، والتشبيه فيه مبهما ، ويكون العفو عن الخطأ في الاجتهاد الذي أدى إلى التضييق على النفس وإيقاعها في الحرج ، وإن كان الذنب هو مخالفة الاعتقاد بأن كانوا فهموا من النبي - صلى الله عليه وسلم - أو من قوله تعالى : ( كما كتب على الذين من قبلكم ) تحريم ملامسة النساء ليلا مطلقا أو تحريمه كالأكل والشرب بعد النوم في الليل ، فالتوبة على ظاهر معناها ; أي إن الله قبل توبتكم ، وعفا عن خيانتكم أنفسكم ( فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم ) المباشرة هنا كناية عن المباضعة الزوجية ، وحقيقتها : مس كل بشرة الآخر ; أي : ظاهر جلده ، فهي كالملامسة في حقيقتها وكنايتها وهي من نزاهة القرآن ، والمعنى فالآن باشروهن ; إذ أحل لكم الرفث إليهن بالنص الصريح النافي لما فهمتم من الإجمال في كتابة الصيام عليكم ، فالأمر بالمباشرة للإباحة الناسخة أو النافية لذلك [ ص: 143 ] الحظر ، فهي كالأمر بالشيء بعد النهي عنه ، واطلبوا بمباشرتهن ما قدره لجنسكم في نظام الفطرة من جعل المباشرة سببا للنسل ، أو ما عسى أن يكون كتبه لكل منكم بأن تكون مباشرتكم بقصد إحياء سنة الله تعالى في الخليقة ، زاد بعضهم : لا لمحض شهوة النفس واللذة التي يشارككم فيها البهائم ، وهو يشعر أن التمتع باللذة الزوجية مذموم إذا لم يكن لأجل النسل ، وليس بصحيح على إطلاقه ; فإن الزوجين المحرومين من الأولاد أو اللذين رزقا بعض الأولاد ثم انقطع نتاجهما لا يذم ولا يكره لهما الاستمتاع بالمباشرة الزوجية بغير إفراط ، بل هو مطلوب لإحصان كل منهما للآخر وصده عن الحرام . ولما قال - صلى الله عليه وسلم - للفقراء : ( ( وفي بضع أحدكم صدقة ) ) قالوا : يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال : ( ( أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر ؟ ) ) قالوا : نعم . قال : ( ( فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر ) ) والحديث في صحيح مسلم ، وقيل : إن العبارة تتضمن النهي عن المباشرة المحرمة فإنها لا يقصد بها الولد سواء كانت بالزنا أو غيره ، وليس ببعيد ( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ) أي : ويباح لكم الأكل والشرب كالمباشرة عامة الليل حتى يتبين لكم بياض الفجر ، فمتى تبين وجب الصيام . وما أحسن التعبير عن أول طلوع الفجر بالخيطين ، والخيط الأبيض هو أول ما يبدو من الفجر الصادق ، فمتى أسفر لا يظهر وجه لتسميته خيطا ، فما ذهب إليه بعض السلف كالأعمش من أن ابتداء الصوم من وقت الإسفار تنافيه عبارة القرآن .

                          هذا ما كتبته أولا وهو غير دقيق ، وسأفصل المسألة في الاستدراك والإيضاح الذي تراه بعد تمام تفسير الآية . والاقتصار على الأكل والشرب في بيان آخر الليل دون المباشرة - وحكمها - يشعر بكراهتها في آخر وقت الإباحة الذي تتلوه صلاة الفجر المندوب التغليس بها .

                          ( ثم أتموا الصيام إلى الليل ) فهم من غاية وقت الأكل والشرب في الجملة السابقة مبدأ الصيام . وذكر في هذه غايته وهي ابتداء الليل بغروب قرص الشمس وما يلزمه من ذهاب شعاعها عن جدران البيوت والمآذن ، ولا يلزم أهل الأغوار والقيعان ذهاب شعاعها عن شناخيب الجبال العالية بعيدة كانت أو قريبة ، وإنما العبرة بمغيب الشمس في أفقهم الذي يتلوه إقبال الليل . قال - صلى الله عليه وسلم - : ( ( إذا أدبر النهار وأقبل الليل وغابت الشمس فقد أفطر الصائم ) ) متفق عليه . وزاد فيه البخاري ( ( من هاهنا ) ) عند ذكر الليل والنهار والإشارة إلى المغرب والمشرق ، وللمباني العصرية الشامخة في بلاد أمريكا حكمها في ذلك .

                          وأنت ترى أن هذا التحديد جاء بأسلوب الإطناب ; لأنه بيان للإجمال بعد وقوع الخطأ فيه ، وإنما أخر البيان إلى وقت الحاجة إليه ليكون أوقع في النفس ، وأظهر في رحمة الشارع [ ص: 144 ] الحكيم ( ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ) هذا استثناء من عموم إباحة المباشرة .

                          والمقام مقام بيان وإيضاح لا يبقى معه للإبهام ولا للإيهام مجال ; أي : ولا تباشروا النساء حال عكوفكم في المساجد للعبادة ، فالمباشرة تبطل الاعتكاف ولو ليلا كما تبطل الصيام نهارا .

                          ( تلك حدود الله ) الإشارة إلى الأحكام التي تقدمت كلها ، وسميت حدودا ; لأنها حددت الأعمال وبينت أطرافها وغاياتها ، حتى إذا تجاوزها العامل خرج عن حد الصحة وكان عمله باطلا - والحد طرف الشيء وما يفصل بين شيئين ، وحدود الله محارمه المبينة بالنهي عنها أو بتحديد الحلال المقابل لها ، وقيل : إنها خاصة هنا بمباشرة النساء في نهار رمضان أو في حال الاعتكاف في المساجد ولو ليلا وقوله : ( فلا تقربوها ) هو أبلغ في التحذير من قوله في آية أخرى : ( فلا تعتدوها ) ( 2 : 229 ) لأنه يرشد إلى الاحتياط ، فمن قرب من الحد أوشك أن يعتديه ، كالشاب يداعب امرأته في النهار ، يوشك ألا يملك إربه فيقع في المباشرة المحرمة أو يفسد صومه بالإنزال ، فالقرب من الحد يتحقق باستباحة أقصى ما دونه ، كالاستمتاع من الزوج بما دون الوقاع ، وكالمبالغة في المضمضة للصائم ، وتعديه يتحقق بالوقوع فيما بعده ، فالنهي عن الأول يفيد كراهته وشدة تحريم ما بعده ، ولم ينهنا الله في كتابه عن قرب حدوده إلا في هذه الآية وفي الزنا ومال اليتيم ، وقد تعدد فيه الوعيد على تعديها ، وهذان من كبائر الإثم التي قلما يسلم من قربها من الوقوع فيها .

                          وفي معنى الأول النهي عن قرب النساء في الصيام والاعتكاف ، فتخصيص النهي بها ظاهر ، فإن حمل على عموم أحكام الصيام كان فيه دليل على استحباب الإمساك الاحتياطي قبل الفجر وبعد الغروب ، ولكن هذا قد يعارض الأمر بتعجيل كل منهما وسيأتي بيانه . وقال بعضهم : معناه لا تقربوها بالتأويل والتحريف ولا بالهوى والرأي بل اقبلوها كما هي ، وهذا يشير إلى تخطئة أولئك الصحابة بما كان من اجتهادهم واتباع آراء أنفسهم في أمر ديني يجب فيه الاتباع المحض ، كأنه قال : لا ينبغي لكم أن تتجاوزوا المنصوص في العبادات لأنها مما لا مجال للرأي فيه بل عليكم فيها بالاتباع المحض ، فما أمرتم به فخذوا ، وما سكت عنه فذروا ، وفي هذا المعنى حديث ( ( إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها ، وحرم حرمات فلا تنتهكوها ، وحد حدودا فلا تعتدوها ، وسكت عن أشياء - من غير نسيان - فلا تبحثوا عنها ) ) رواه أبو داود والترمذي والنسائي والدارقطني من حديث أبي ثعلبة الخشني ، وفي رواية زيادة ( ( رحمة بكم من غير نسيان ) ) في تعليل السكوت ( كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون ) أي : على هذا النحو من بيان أحكام الصيام في أوله وآخره وحقيقته وعزيمته ورخصته وفائدته وحكمته ، يبين الله آياته للناس أتم البيان وأكمله ، ليعدهم للتقوى ، والتباعد عن الوهم والهوى .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية