الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون

قوله تعالى كيف وإن يظهروا عليكم أعاد التعجب من أن يكون لهم عهد مع خبث أعمالهم ، أي كيف يكون لهم عهد وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة . يقال : ظهرت على فلان أي غلبته ، وظهرت البيت علوته ، ومنه فما اسطاعوا أن يظهروه أي يعلوا عليه .

[ ص: 18 ] قوله تعالى لا يرقبوا فيكم يرقبوا يحافظوا . والرقيب الحافظ . وقد تقدم .

إلا عهدا ، عن مجاهد وابن زيد . وعن مجاهد أيضا : هو اسم من أسماء الله عز وجل . ابن عباس والضحاك : قرابة . الحسن : جوارا . قتادة : حلفا ، وذمة عهدا . أبو عبيدة : يمينا . وعنه أيضا : إلا العهد ، والذمة التذمم . الأزهري : اسم الله بالعبرانية ، وأصله من الأليل وهو البريق ، يقال أل لونه يؤل ألا ، أي صفا ولمع . وقيل : أصله من الحدة ، ومنه الألة للحربة ، ومنه أذن مؤللة أي محددة . ومنه قول طرفة بن العبد يصف أذني ناقته بالحدة والانتصاب .


مؤللتان تعرف العتق فيهما كسامعتي شاة بحومل مفرد

فإذا قيل للعهد والجوار والقرابة " إل " فمعناه أن الأذن تصرف إلى تلك الجهة ، أي تحدد لها . والعهد يسمى " إلا " لصفائه وظهوره . ويجمع في القلة آلال . وفي الكثرة إلال . وقال الجوهري وغيره : الإل بالكسر هو الله عز وجل ، والإل أيضا العهد والقرابة . قال حسان :


لعمرك إن إلك من قريش     كإل السقب من رأل النعام

قوله تعالى ولا ذمة أي عهدا . وهي كل حرمة يلزمك إذا ضيعتها ذنب . قال ابن عباس والضحاك وابن زيد : الذمة العهد . ومن جعل الإل العهد فالتكرير لاختلاف اللفظين . وقال أبو عبيدة معمر : الذمة التذمم . وقال أبو عبيد : الذمة الأمان في قوله عليه السلام : ويسعى بذمتهم أدناهم . وجمع ذمة ذمم . وبئر ذمة - بفتح الذال - قليلة الماء ، وجمعها ذمام . قال ذو الرمة :


على حميريات كأن عيونها     ذمام الركايا أنكزتها المواتح

أنكزتها أذهبت ماءها . وأهل الذمة أهل العقد .

قوله تعالى يرضونكم بأفواههم أي يقولون بألسنتهم ما يرضي ظاهره . وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون أي ناقضون العهد . وكل كافر فاسق ، ولكنه أراد هاهنا المجاهرين بالقبائح ونقض العهد .

التالي السابق


الخدمات العلمية