الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            وعن نافع عن ابن عمر أنه قال كنا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتاع الطعام فيبعث علينا من يأمرنا بانتقاله من المكان الذي ابتعناه فيه إلى مكان سواه قبل أن نبيعه لفظ مسلم وفي رواية لهما قد رأيت الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ابتاعوا الطعام جزافا يضربون أن يبيعوه في مكانهم ذلك حتى يؤووه إلى رحالهم ولأبي داود والنسائي نهى أن يبيع أحدنا طعاما اشتراه بكيل حتى يستوفيه وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ابتاع طعاما فلا يبيعه حتى يستوفيه وفي رواية لمسلم حتى يقبضه وفي رواية له حتى يستوفيه ويقبضه وله من حديث أبي هريرة وابن عباس حتى يكتاله قال ابن عباس ، وأحسب كل شيء بمنزلة الطعام وقال البخاري عنه ولا أحسب كل شيء إلا مثله وللحاكم من حديث ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن تباع السلع حيث تشترى حتى يحوزها الذي اشتراها إلى رحله وقال صحيح على شرط مسلم (قلت) يمنعه ابن إسحاق واختلف عليه في إسناده وهو عند أبي داود والحاكم من الوجه الآخر من رواية ابن عمر عن زيد بن ثابت وفي أوله قصة .

                                                            التالي السابق


                                                            (الحديث التاسع) وعنه أنه قال كنا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتاع الطعام فيبعث علينا من يأمرنا بانتقاله من المكان الذي ابتعناه فيه إلى مكان سواه قبل أن نبيعه .

                                                            (الحديث العاشر) وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه .

                                                            (فيه) فوائد:

                                                            (الأولى) الحديث الأول أخرجه مسلم ، وأبو داود والنسائي من هذا الوجه من طريق مالك زاد أبو داود وفي آخر الحديث يعني جزافا وقال ابن حزم [ ص: 110 ] جمهور الرواة عن مالك لهذا الحديث في الموطإ وغيره ذكروا فيه عنه الجزاف كما ذكره عبيد الله عن نافع والزهري عن سالم ، وإنما أسقط ذكره القعنبي ويحيى فقط توهما فيه ؛ لأنه خبر واحد. انتهى.

                                                            وفيه نظر فقد قال ابن عبد البر لم يختلف على مالك فيه ولم يقل جزافا، وأخرجه البخاري ، وأبو داود والنسائي من رواية يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال كانوا يبتاعون الطعام في أعلى السوق فيبيعونه في مكانهم فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه في مكانه حتى ينقلوه لفظ البخاري وقال أبو داود والنسائي يتبايعون الطعام جزافا وأخرجه مسلم وابن ماجه من رواية عبد الله بن نمير ومسلم وحده من رواية علي بن مسهر كلاهما عن عبيد الله بن عمر بلفظ كنا نشتري الطعام من الركبان جزافا فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى ننقله من مكانه ، وأخرجه البخاري من رواية موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أنهم كانوا يشترون الطعام من الركبان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيبعث عليهم من يمنعهم أن يبيعوه حيث اشتروه حتى ينقلوه حيث يباع الطعام ، وأخرجه أيضا من رواية جويرية عن نافع عن ابن عمر قال كنا نتلقى الركبان فنشتري منهم الطعام فنهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى نبلغ به سوق الطعام . وأخرجه النسائي من رواية محمد بن علج عن نافع عن ابن عمر أنهم كانوا يبتاعون الطعام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الركبان فنهاهم أن يبيعوه في مكانهم الذي ابتاعوا فيه حتى ينقلوه إلى سوق الطعام ورواه الحاكم في مستدركه من رواية محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر [ ص: 111 ] عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن تباع السلع حيث تشترى حتى يحوزها الذي اشتراها إلى رحله، وإن كان ليبعث رجالا فيضربونا على ذلك وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم .

                                                            (قلت) قد عرفت أنه من رواية ابن إسحاق بالعنعنة واختلف عليه في إسناده فرواه أبو داود والحاكم أيضا من رواية ابن إسحاق عن أبي الزناد عن عبيد بن حنين عن ابن عمر قال ابتعت زيتا في السوق فلما استوجبته لقيني رجل فأعطاني به زيتا حسنا فأردت أن أضرب على يده فأخذ رجل من خلفي بذراعي فالتفت فإذا زيد بن ثابت فقال لا تبعه حيث ابتعته حتى تحوزه إلى رحلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحرزها التجار إلى رحالهم . وأخرج الشيخان ، وأبو داود والنسائي من رواية الزهري عن سالم عن أبيه قال قد رأيت الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ابتاعوا الطعام جزافا يضربون أن يبيعوه في مكانهم ذلك حتى يؤووه إلى رحالهم . والحديث الثاني أخرجه الأئمة الستة خلا الترمذي من هذا الوجه من طريق مالك ، وأخرجه البخاري أيضا من حديث موسى بن عقبة ومسلم من حديث عبيد الله بن عمر وعمر بن محمد كلهم عن نافع عن ابن عمر . ولفظ مسلم من حديث عمر بن محمد حتى يستوفيه ويقبضه وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي من رواية عبد الله بن دينار عن ابن عمر بلفظ حتى (يقبضه) وأخرجه أبو داود والنسائي من رواية القاسم بن محمد عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يبيع أحد طعاما ما اشتراه بكيل حتى يستوفيه

                                                            (الثانية) استدل بقوله في هذا الحديث في رواية أبي داود (يعني جزافا) وبجزمه في نفس الحديث بأنه جزاف من حديث عبيد الله بن عمر عند [ ص: 112 ] مسلم ، وأبي داود والنسائي وابن ماجه ومن حديث سالم عن أبيه عند الشيخين وغيرهما على جواز بيع الصبرة من الطعام وغيره جزافا أي من غير تقدير بكيل ولا وزن ولا غيرهما وظاهره أنه لا فرق في ذلك أن يعلم البائع قدرها أم لا وبهذا قال أبو حنيفة وأحمد وداود والشافعي والجمهور ولكن (الأظهر) من قولي الشافعي أن ذلك مكروه كراهة تنزيه.

                                                            (والثاني) أنه ليس بمكروه قال النووي : ونقل أصحابنا عن مالك أنه لا يصح البيع إذا كان بائع الصبرة جزافا يعلم قدرها. .

                                                            (قلت) الذي حكاه ابن عبد البر عن مالك أنه لا يجوز لمن علم مقدار المبيع كيلا أو وزنا أن يبيعه جزافا حتى يعرف المشتري بمبلغه فإن فعل فهو غاش والمشتري بالخيار إذا علم كالعيب وقال لم يختلف قول مالك في ذلك وتابعه عليه الليث بن سعد وروي ذلك عن مجاهد وطاوس وعطاء بن أبي رباح والحسن بن أبي الحسن ثم روي بإسناده أنهم كرهوه. واعلم أن الجزاف بكسر الجيم وفتحها وضمها ثلاث لغات الكسر أفصح، وأشهر .



                                                            (الثالثة) في الحديث الأول أن من اشترى طعاما ليس له بيعه حتى ينقله من المكان الذي اشتراه فيه إلى مكان آخر وفي الحديث الثاني أنه ليس له ذلك حتى يستوفيه وهما بمعنى واحد فإن الاستيفاء هو القبض كما دلت عليه الرواية الأخرى والقبض في المنقولات يكون بالنقل، والمراد بالنقل تحويله إلى مكان لا يختص بالبائع أو يختص بالبائع بإذنه وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال:

                                                            (أحدها) اختصاص ذلك بالمطعوم كما هو مقتضى هذا الحديث فأما غيره فيجوز بيعه قبل قبضه وهذا مذهب مالك وحكى عنه ابن عبد البر استثناء أمرين من المطعوم يجوز بيعهما قبل القبض.

                                                            (أحدهما) الماء وحكى ابن حزم عنه في الماء روايتين.

                                                            (الأمر الثاني) الطعام المشترى جزافا قال فالمشهور من مذهب مالك جواز بيعه قبل القبض وبه قال الأوزاعي ثم قال ولا أعلم أحدا تابع مالكا من جماعة فقهاء الأمصار على تفرقته بين ما اشترى جزافا من الطعام وبين ما اشترى منه كيلا إلا الأوزاعي فإنه قال من اشترى طعاما جزافا فهلك قبل القبض فهو من المشترى، وإن اشتراه مكايلة فهو من البائع وهو نص قول مالك وقد قال الأوزاعي من اشترى ثمرة لم يجز له بيعها قبل القبض [ ص: 113 ] وهذا تناقض ثم استدل ابن عبد البر لمالك برواية القاسم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يبيع أحد طعاما اشتراه بكيل حتى يستوفيه قال فقوله (بكيل) دليل على أن ما خالفه بخلافه.

                                                            (قلت) لكن الروايات المتقدمة في نهي الذين يبتاعون الطعام جزافا عن بيعه حتى ينقلوه من مكانه صريح في الرد على من جوز بيع الطعام قبل قبضه إذا كان اشتراه جزافا والله أعلم.

                                                            (القول الثاني) اختصاص ذلك بالمطعوم سواء اشترى جزافا أو مقدارا بكيل أو وزن أو غيرهما وبه قال بعض المالكية وحكاه عن مالك واختاره أبو بكر الوقار وصححه أبو عمر وابن الحاجب وحكاه ابن عبد البر عن أحمد وأبي ثور قال وهو الصحيح عندي لثبوت الخبر بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وعمل أصحابه وعليه جمهور أهل العلم قال: وحجتهم عموم قوله من ابتاع طعاما لم يقل جزافا ولا كيلا بل ثبت عنه فيمن ابتاع طعاما جزافا أن لا يبيعه حتى ينقله ويقبضه قال وضعفوا الزيادة في قوله طعاما بكيل.

                                                            (القول الثالث) اختصاص ذلك بما اشترى مقدارا بكيل أو وزن أو زرع أو عدد سواء كان مطعوما أم لا فإن اشترى بغير تقدير جاز بيعه قبل قبضه وهذا هو المشهور عن أحمد كما قال الشيخ مجد الدين بن تيمية في المحرر وقال ابن عبد البر روي عن عثمان بن عفان وسعيد بن المسيب والحسن البصري والحكم بن عتيبة وحماد بن أبي سليمان وبه قال إسحاق بن راهويه وروي عن أحمد بن حنبل والأول أصح عنه. انتهى.

                                                            والمعتمد في ذلك قول ابن تيمية فإنه أعرف بمذهبه قال ابن عبد البر : وحجتهم أن الطعام المنصوص عليه أصله الكيل أو الوزن فكل مكيل أو موزون فذلك حكمه.

                                                            (قلت) ويرد هذا المذهب النهي عن بيع المشترى جزافا قبل قبضه كما تقدم وعن أحمد رواية أخرى إن صبر المكيل والموزون خاصة كبيعهما كيلا ووزنا.

                                                            (القول الرابع) طرد ذلك في جميع الأشياء المطعوم وغيره. والمقدر وغيره لا يجوز بيعها قبل قبضها إلا العقار وبهذا قال أبو حنيفة وأبو يوسف .

                                                            (القول الخامس) منع المبيع قبل القبض مطلقا حتى في العقار وبهذا قال الشافعي [ ص: 114 ] ومحمد بن الحسن وهو رواية عن أحمد وحكاه ابن عبد البر عن عبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة ويدل لذلك أن ابن عباس لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الطعام حتى يستوفى قال ولا أحسب كل شيء إلا مثله رواه الأئمة الستة، وهذا لفظ البخاري ولفظ مسلم وأحسب كل شيء مثله وفي لفظ له وأحسب كل شيء بمنزلة الطعام وفي لفظ له (حتى يقبضه) وفي لفظ له (حتى يكتاله) وكذلك قال جابر أعني أن غير الطعام مثله قال ابن عبد البر : فدل على أنهما فهما عن النبي صلى الله عليه وسلم المراد والمغزى وعن حكيم بن حزام قال: قلت يا رسول الله إني أشتري بيوعا فما يحل لي منها وما يحرم ؟ فقال إذا اشتريت بيعا فلا تبعه حتى تقبضه رواه النسائي باختلاف في إسناده ومتنه وصححه ابن حزم وقال ابن عبد البر : هذا الإسناد، وإن كان فيه مقال ففيه لهذا المذهب استظهار وروى أبو داود وغيره عن عبد الله بن عمر وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل بيع وسلف ولا بيع ما لم يضمن ولا بيع ما ليس عندك وتقدم من حديث ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن تباع السلع حيث تشترى حتى يحوزها الذي اشتراها إلى رحله فهذه الأحاديث حجة لهذا المذهب وللذي قبله إلا أن صاحب المذهب الذي قبله استثنى من ذلك العقار ؛ لانتفاء الغرر فيه فإن الهلاك فيه نادر بخلاف غيره.

                                                            (القول السادس) جواز البيع قبل القبض مطلقا في كل شيء وبهذا قال عثمان البتي قال ابن عبد البر : هذا قول مردود بالسنة والحجة المجمعة على الطعام فقط، وأظنه لم يبلغه الحديث ومثل هذا لا يلتفت إليه وقال النووي وحكاه المازري والقاضي عياض ولم يحكه الأكثرون بل نقلوا الإجماع على بطلان بيع الطعام المبيع قبل قبضه قالوا: وإنما الخلاف فيما سواه فهو شاذ متروك. .

                                                            (قلت) وحكاه ابن حزم عن عطاء بن أبي رباح .

                                                            (القول السابع): منع البيع قبل القبض في القمح مطلقا وفي غيره إنه ملكه بالشراء خاصة ويعتبر أيضا في القمح خاصة مع القبض، وهو إطلاق اليد عليه وعدم الحيلولة بينه وبينه أن ينقله عن موضعه الذي هو فيه إلى مكان آخر فإن اشتراه بكيل لم يحل له بيعه حتى يكتاله فإذا اكتاله حل له بيعه، وإن لم ينقله [ ص: 115 ] عن موضعه وبهذا قال ابن حزم الظاهري وتمسك في القمح بحديث ابن عباس أما الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباع حتى يقبض فهو الطعام وقال فهذا تخصيص للطعام في البيع خاصة وعموم له بأي وجه ملك، واسم الطعام في اللغة لا يطلق إلا على القمح وحده، وإنما يطلق على غيره بإضافة، وتمسك في غير القمح بحديث حكيم بن حزام المتقدم وقال هذا عموم لكل بيع ولكل ابتياع والمذكور في حديثي ابن عمر وابن عباس بعض ما في حديث حكيم فهو أعم ثم حكى مثل قوله عن ابن عباس وجابر والحسن وابن شبرمة .



                                                            (الرابعة) الذي في الحديث منع البيع قبل القبض وليس فيه تعرض لغيره من التصرفات وقد اختلف العلماء في ذلك على أقوال:

                                                            (أحدها) قصر ذلك على البيع وتجويز غيره من التصرفات قبل القبض قاله ابن حزم الظاهري قال: والشركة والتولية والإقالة كلها بيوع مبتدأة لا يجوز في شيء منها إلا ما يجوز في سائر البيوع.

                                                            (القول الثاني): أن سائر التصرفات في المنع قبل القبض كالبيع، وهذا هو الذي فهمته من مذهب الحنابلة لإطلاق ابن تيمية في المحرر التصرف من غير استثناء شيء منه.

                                                            (القول الثالث) طرد المنع في كل معاوضة فيها حق توفية من كيل أو شبهه بخلاف القرض والهبة والصدقة، وهذا مذهب مالك وأرخص في الإقالة والتولية والشركة مع كونها معاوضات فيها حق توفية قال ابن حزم واحتجوا بما رويناه من طريق عبد الرزاق قال ابن جريج أخبرني ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله حديثا مستفاضا في المدينة من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه ويستوفيه إلا أن يشرك فيه أو يوليه أو يقيله وقال مالك إن أهل العلم اجتمع رأيهم على أنه لا بأس بالشركة والإقالة والتولية في الطعام وغيره يعني قبل القبض. قال ابن حزم : ما نعلم روي هذا إلا عن ربيعة وطاوس فقط، وقوله عن الحسن في التولية قد جاء عنه خلافها قال ابن حزم وخبر ربيعة مرسل ولو كانت استفاضة عن أصل صحيح لكان الزهري أولى بأن يعرف ذلك من ربيعة ؛ والزهري مخالف له في ذلك. قال: التولية بيع في الطعام وغيره ثم ذكر عن الحسن أنه قال: ليس له أن يوليه حتى يقبضه فقيل له أبرأيك تقوله ؟ قال لا ولكن أخذناه عن سلفنا، وأصحابنا، قال ابن حزم سلف الحسن [ ص: 116 ] هم الصحابة أدرك منهم خمسمائة، وأكثر، وأصحابه أكابر التابعين فلو أقدم امرؤ على دعوى الإجماع هنا لكان أصح من الإجماع الذي ذكره مالك .

                                                            (القول الرابع) المنع من سائر التصرفات كالبيع إلا العتق والاستيلاد والتزويج والقسمة ؛ هذا حاصل الفتوى في مذهب الشافعي مع الخلاف في أكثر الصور.

                                                            وأما الوقف فقال المتولي في التتمة: إن قلنا إن الوقف يفتقر إلى القبول فهو كالبيع، وإلا فهو كالإعتاق وبه قطع الماوردي في الحاوي وقال يصير قابضا حتى لو لم يرفع البائع يده عنه صار مضمونا عليه بالقيمة فمن قصر المنع على البيع اقتصر على مورد النص ومن عداه إلى غيره فبالقياس وذلك متوقف على فهم العلة في ذلك ووجودها في الفرع المقيس والله أعلم.

                                                            (الخامسة) والذي في الحديث المنع فيما ملك بالبيع، وهو ساكت عما ملك بغيره وللعلماء في ذلك خلاف أيضا قال الشافعية يلتحق بالمملوك بالبيع ما كان في معناه وهو ما كان مضمونا على من هو في يده بعقد معاوضة كالأجرة والعوض المصالح عليه عن المال. وكذا الصداق بناء على أنه مضمون على الزوج ضمان عقد وهو الأظهر أما ما ليس مضمونا على من هو تحت يده كالوديعة والإرث أو مضمونا ضمان يد وهو المضمون بالقيمة كالمستام ونحوه فيجوز بيعه قبل القبض ؛ لتمام الملك فيه ومذهب أحمد نحوه قال ابن تيمية في المحرر: وكل عين ملكت بنكاح أو خلع أو صلح عن دم عمدا أو عتق فهي كالبيع في ذلك كله لكن يجب بتلفها مثلها إن كانت مثلية، وإلا فقيمتها، ولا فسخ لعقدها بحال فأما ما ملك بإرث أو وصية من مكيل أو غيره فالتصرف فيه قبل قبضه جائز وفرق ابن حزم الظاهري في ذلك بين القمح وغيره فقال في القمح: إنه بأي وجه ملكه لا يحل له بيعه قبل قبضه وقال في غيره: متى ملكه بغير البيع فله بيعه قبل قبضه .




                                                            الخدمات العلمية