الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب الأكل والإطعام من الأضحية وجواز ادخار لحمها ونسخ النهي عنه 2131 - ( عن عائشة قالت { : دف أهل أبيات من أهل البادية حضرة الأضحى زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ادخروا ثلاثا ثم تصدقوا بما بقي فلما كان بعد ذلك قالوا : يا رسول الله : إن الناس يتخذون الأسقية من ضحاياهم ، ويجملون فيها الودك ، فقال : وما ذاك ؟ قالوا : نهيت أن تؤكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث ، فقال : إنما نهيتكم من أجل الدافة فكلوا وادخروا وتصدقوا } . متفق عليه ) [ ص: 150 ]

                                                                                                                                            2132 - ( وعن جابر قال { : كنا لا نأكل من لحوم بدننا فوق ثلاث منى فرخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كلوا وتزودوا } . متفق عليه وفي لفظ كنا نتزود لحوم الأضاحي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أخرجاه وفي لفظ { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث ثم قال بعد كلوا وتزودوا وادخروا . } رواه مسلم والنسائي ) .

                                                                                                                                            2133 - ( وعن سلمة بن الأكوع قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة وفي بيته منه شيء فلما كان في العام المقبل قالوا يا رسول الله نفعل كما فعلنا في العام الماضي ؟ قال كلوا وأطعموا وادخروا فإن ذلك العام كان بالناس جهد فأردت أن تعينوا فيها } . متفق عليه ) .

                                                                                                                                            2134 - ( وعن ثوبان قال { ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أضحيته ثم قال : يا ثوبان أصلح لي لحم هذه فلم أزل أطعمه منه حتى قدم المدينة . } رواه أحمد ومسلم ) .

                                                                                                                                            2135 - وعن أبي سعيد { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يا أهل المدينة لا تأكلوا لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لهم عيالا وحشما وخدما فقال كلوا واحبسوا وادخروا } . رواه مسلم

                                                                                                                                            2136 - وعن بريدة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاثة ليتسع ذوو الطول على من لا طول له فكلوا ما بدا لكم وأطعموا وادخروا } . رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه وفي الباب عن نبيشة الهذلي عند أحمد وأبي داود وزاد بعد قوله : ( وادخروا ) وائتجروا أي : اطلبوا الأجر بالصدقة

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            قوله : ( دف ) بفتح الدال المهملة وتشديد الفاء أي : جاء قال أهل اللغة : الدافة بتشديد الفاء قوم يسيرون جميعا سيرا خفيفا ودافة الأعراب من يريد منهم المصر ، والمراد هنا من ورد من ضعفاء الأعراب للمواساة . قوله : ( حضرة ) [ ص: 151 ] بفتح الحاء وضمها وكسرها والضاد ساكنة فيها كلها وحكي فتحها وهو ضعيف ، وإنما تفتح إذا حذفت الهاء يقال : بحضر فلان ، كذا قال النووي . قوله : ( ويجملون ) بفتح الياء وسكون الجيم مع كسر الميم وضمها ويقال بضم الياء مع كسر الميم يقال : جملت الدهن أجمله بكسر الميم وأجمله بضمها جملا ، وأجملته أجمله إجمالا أي : أذبته . قوله : ( بعد ثلاث ) قالالقاضي عياض : يحتمل أن يكون ابتداء الثلاث من يوم ذبح الأضحية وإن ذبحت بعد يوم النحر ويحتمل أن يكون من يوم النحر وإن تأخر الذبح عنه قال : وهذا أظهر ورجح ابن القيم الأول وهذا الخلاف لا يتعلق به فائدة عند من قال بالنسخ إلا باعتبار ما سلف من الاحتجاج بذلك على أن يوم الرابع ليس من أيام الذبح .

                                                                                                                                            قوله : ( إنما نهيتكم من أجل الدافة فكلوا ) . . . إلخ ، هذا وما بعده تصريح بالنسخ لتحريم أكل لحوم الأضاحي بعد الثلاث وادخارها وإليه ذهب الجماهير من علماء الأمصار من الصحابة والتابعين فمن بعدهم . وحكى النووي عن علي عليه السلام وابن عمر أنهما قالا : يحرم الإمساك للحوم الأضاحي بعد ثلاث وأن حكم التحريم باق ، وحكاه الحازمي في الاعتبار عن علي عليه السلام أيضا والزبير وعبد الله بن واقد وعبد الله بن عمر ولعلهم لم يعلموا بالناسخ ومن علم حجة على من لم يعلم ، وقد أجمع على جواز الأكل والادخار بعد الثلاث من بعد عصر المخالفين في ذلك ولا أعلم أحدا بعدهم ذهب إلى ما ذهبوا إليه . قوله : ( كلوا ) استدل بهذا الأمر ونحوه من الأوامر المذكورة في الباب من قال بوجوب الأكل من الأضحية وقد حكاه النووي عن بعض السلف وأبي الطيب بن سلمة من أصحاب الشافعي ويؤيده قوله تعالى: { فكلوا منها } وحمل الجمهور هذه الأوامر على الندب والإباحة لورودها بعد الحظر وهو عند جماعة للإباحة

                                                                                                                                            وحكى النووي عن الجمهور أنه للوجوب ، والكلام في ذلك مبسوط في الأصول . قوله : ( وأطعموا ) وفي حديث عائشة " وتصدقوا " فيه دليل على وجوب التصدق من الأضحية وبه قالت الشافعية : إذا كانت أضحية تطوع قالوا : والواجب ما يقع عليه اسم الإطعام والصدقة ويستحب أن يكون بمعظمها . قالوا : وأدنى الكمال أن يأكل الثلث ويتصدق بالثلث ويهدي الثلث وفي قول لهم : يأكل النصف ويتصدق بالنصف ولهم وجه أنه لا يجب التصدق بشيء وقال القاسم بن إبراهيم : إنه يتصدق بالبعض غير مقدر . قال في البحر : وفي جواز أكلها جميعها وجهان عن الإمام يحيى أصحهما : لا يجوز إذ يبطل به القربة وهي المقصود وقيل : يجوز والقربة تعلقت بإهراق الدم فإن فعل لم يضمن شيئا عند الجميع إذ لا دليل . قلت : وفي كلام الإمام يحيى نظر مع القول بأنها سنة انتهى .

                                                                                                                                            قوله : ( فأردت أن تعينوا فيها ) بالعين المهملة من الإعانة هذا لفظ البخاري ولفظ مسلم : { أن يفشو فيهم } بالفاء والشين [ ص: 152 ] المعجمة أي : يشيع لحم الأضاحي في الناس وينتفع به المحتاجون . قال القاضي عياض في شرح مسلم : الذي في مسلم أشبه وقال في المشارق : كلاهما صحيح والذي في البخاري أوجه . والجهد هنا بفتح الجيم وهو المشقة والفاقة . قوله : ( أصلح لي لحم هذه ) . . . إلخ ، فيه تصريح بجواز ادخار لحم الأضحية فوق ثلاث وجواز التزود منه ، وأن التزود منه في الأسفار لا يقدح في التوكل ولا يخرج المتزود عنه وأن الأضحية مشروعة للمسافر كما تشرع للمقيم وبه قال الجمهور . وقال النخعي وأبو حنيفة : لا ضحية على المسافر . قال النووي : وروي هذا عن علي . وقال مالك وجماعة : لا تشرع للمسافر بمنى ومكة ، والحديث يرد عليهم .

                                                                                                                                            قوله : ( حشما ) قال أهل اللغة : الحشم بفتح الحاء المهملة والشين المعجمة هم اللائذون بالإنسان يخدمونه ويقومون بأموره . وقال الجوهري : هم خدم الرجل ومن يغضب له سموا بذلك ; لأنهم يغضبون له والحشمة الغضب ويطلق على الاستحياء ومنه قولهم : فلان لا يحتشم أي : لا يستحي ويقال : وأحشمته إذا أغضبته وإذا أخجلته فاستحى لخجله . قال النووي : وكأن الحشم أعم من الخدم فلهذا جمع بينهما في هذا الحديث ، وهو من باب ذكر الخاص بعد العام وفي القاموس الحشمة بالكسر : الحياء والانقباض احتشم منه وعنه وحشمه وأحشمه أخجله وأن يجلس إليك الرجل فتؤذيه وتسمعه ما يكره ويضم حشمه يحشمه ويحشمه وأحشمه وكفرح غضب وكسمعه أغضبه كأحشمه وحشمه . وحشمة الرجل وحشمه محركتين وأحشامه خاصته الذين يغضبون له من أهل وعبيد أو جيرة والحشم محركة للواحد والجمع ، وهو العيال والقرابة أيضا انتهى

                                                                                                                                            قوله : ( فكلوا ما بدا لكم ) فيه دليل على عدم تقدير الأكل بمقدار ، وأن للرجل أن يأكل من أضحيته ما شاء وإن كثر ما لم يستغرق ، بقرينة قوله ( وأطعموا ) .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية