الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 533 ] فصل

                                                                                                        قال : ( وعلى المبتوتة والمتوفى عنها زوجها ، إذا كانت بالغة مسلمة الحداد ) أما المتوفى عنها زوجها فلقوله عليه الصلاة والسلام : { لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاثة أيام إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرا } ، وأما المبتوتة فمذهبنا وقال الشافعي رحمه الله : لا حداد عليها [ ص: 534 ] لأنه وجب إظهارا للتأسف على فوت زوج وفى بعهدها إلى مماته ، وقد أوحشها بالإبانة فلا تأسف بفوته ولنا ما روي { أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى المعتدة أن [ ص: 535 ] تختضب بالحناء ، وقال : الحناء طيب }ولأنه يجب إظهارا للتأسف على فوت نعمة النكاح الذي هو سبب لصونها وكفاية مؤنها ، والإبانة أقطع لها من الموت ، حتى كان لها أن تغسله ميتا قبل الإبانة لا بعدها .

                                                                                                        [ ص: 533 ]

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        [ ص: 533 ] فصل الحديث الثاني : قال عليه السلام : { لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاثة أيام ، إلا على زوجها ، أربعة أشهر وعشرا }; قلت : روي من حديث أم عطية ، ومن حديث أم حبيبة ; ومن حديث حفصة ; ومن حديث زينب بنت جحش ; ومن حديث عائشة .

                                                                                                        فحديث أم عطية : أخرجه الجماعة إلا الترمذي عن حفصة عن أم عطية ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال ، إلا على زوج ، أربعة أشهر وعشرا ، ولا تلبس ثوبا مصبوغا ، إلا ثوب عصب ، ولا تكتحل ولا تمس طيبا ، إلا إذا طهرت نبذة من قسط أو أظفار ، }انتهى .

                                                                                                        وفي لفظ للبخاري ، ومسلم : { وقد رخص للمرأة في طهرها إذا اغتسلت من حيضتها في نبذة من قسط ، أو أظفار }.

                                                                                                        وحديث أم حبيبة : أخرجه الجماعة إلا ابن ماجه عن زينب { عن أم حبيبة أنها لما توفي أبوها أبو سفيان فدعت بطيب ، فدهنت جارية ، ثم مست بعارضيها ، ثم قالت : والله ما لي بالطيب من حاجة ، غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ، إلا على زوج ، أربعة أشهر وعشرا ، }انتهى .

                                                                                                        وفي لفظ للبخاري : { فوق ثلاثة أيام }.

                                                                                                        وحديث حفصة : أخرجه مسلم عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا يحل لامرأة تؤمن [ ص: 534 ] بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاثة أيام ، إلا على زوجها ، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا }انتهى .

                                                                                                        حديث مرسل مخالف لما تقدم : أخرجه أبو داود في " مراسيله " عن عمرو بن شعيب { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للمرأة أن تحد على زوجها حتى تنقضي عدتها ، وعلى من سواه ثلاثة أيام }انتهى .

                                                                                                        وذكره عبد الحق في " أحكامه " من جهته ; وقال : الصحيح حديث أم عطية .

                                                                                                        وحديث زينب بنت جحش : أخرجه البخاري ، ومسلم { عن زينب بنت أبي سلمة ، قالت : دخلت على زينب بنت جحش حين توفي أخوها ، فدعت بطيب . فمست منه ، ثم قالت : والله ما لي بالطيب من حاجة } ، إلى آخر لفظ أم حبيبة سواء .

                                                                                                        وحديث عائشة : أخرجه مسلم عن عروة عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ، إلا على زوجها }انتهى . والمصنف استدل بهذا الحديث على وجوب الإحداد على المتوفى عنها زوجها ; وفيه نظر ; ولكن الصريح في ذلك حديث أم سلمة أخرجه البخاري ، ومسلم قالت : { جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها ، وقد اشتكت عينها ، أفنكحلها ؟ فقال عليه السلام : لا ، مرتين ، أو ثلاثا ، كل ذلك يقول : لا ، ثم قال : إنما هي أربعة أشهر وعشر } ، مختصر .

                                                                                                        وفي لفظ للبخاري : { فلا ، حتى يمضي أربعة أشهر وعشر }; وتقدم في حديث أم عطية ، { ولا تلبس ثوبا مصبوغا ، ولا تكتحل ، ولا تمس طيبا } ، وهذا ظاهره في وجوب الإحداد ، وتقدم أيضا فيه ، ورخص للمرأة في طهرها نبذة من قسط ، أو أظفار ، وهذا صريح في الوجوب أيضا .

                                                                                                        الحديث الثالث : روي { أنه عليه السلام نهى المعتدة أن تختضب بالحناء ، وقال : الحناء طيب }; قلت : تقدم في " جنايات الحج " ، حديث { الحناء طيب } ، وحديث { نهي [ ص: 535 ] المعتدة عن الحناء } ، أخرجه أبو داود في " سننه " عن أم حكيم بنت أسيد عن أمها عن مولاة لها عن { أم سلمة ، قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في عدتي من وفاة أبي سلمة : لا تمتشطي بالطيب ، ولا بالحناء فإنه خضاب ; قلت : فبأي شيء أمتشط يا رسول الله ؟ قال : بالسدر ، تغلفين به رأسك ، }انتهى .

                                                                                                        وذكره عبد الحق في " أحكامه " من جهة أبي داود ، وقال : ليس لهذا الحديث إسناد يعرف انتهى .

                                                                                                        والظاهر أن لفظ المصنف حديثان ، ويحتمل أنه حديث واحد . كما ذكره السروجي في " الغاية " ، وعزاه للنسائي ، ولفظه : { نهى المعتدة عن الكحل والدهن والخضاب بالحناء ، وقال : الحناء طيب }انتهى .

                                                                                                        وهو وهم منه ، والمصنف استدل بهذا الحديث ، على أن المعتدة عليها الإحداد ، كالمتوفى عنها زوجها ، وفيه خلاف الشافعي ، فتعين أن يكون الحديث ، كما أورده المصنف حديثا واحدا ; وحديث أبي داود هذا أجنبي عن المقصود ، والذي ذكره السروجي مطابق ، إلا أني ما وجدته .




                                                                                                        الخدمات العلمية